أهلك في جلدها.
ويُؤتى عمر بحامل قد زنت ، فيأمر برجمها ، فيقول له علي (ع) : «هبْ أنّ لك سبيلاً عليها ، أي سبيل لك على ما في بطنها؟ احتط عليها حتّى تلد ، فإذا ولدت ، ووجدت لولدها مَن يكفّله ، فأقم عليها الحدّ». فيقول عمر : لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن.
ويجيء أبو الأسود الدُّؤلي فيُخبره بأنّه سمع مَن يُلحن في القرآن ، فيضع له أصول النّحو في كلمات معروفة ، ويقول له : «انحُ هذا النّحو». فيزيد عليها أبو الأسود ، وتُضبط لغة العرب بعلم النَّحو إلى اليوم.
وإذا نظرنا إلى شجاعته ، وقد ضُربت بها الأمثال ، وجدنا أنّه باشر الحرب وعمره عشرون سنة أو فوقها بقليل ، وظهرت شجاعته الخارقة في مبيته على الفراش ليلة الغار ، والنّفر من قريش محيطون بالدار ليفتكوا بمَن في الفراش ، وظهرت شجاعته الخارقة أيضاً لمّا سار بالفواطم عند الهجرة ، وليس معه إلاّ أيمن بن اُمّ أيمن وأبو واقد الليثي ، فلحقه سبعة فرسان من قريش أمامهم جناح مولى حرب بن اُميّة ، فأهوى إليه جناح بالسّيف ، وهو فارس وعلي راجل ، فحاد علي (ع) عن ضربته ، وضربه لمّا انحنى على كتفه فقطعه نصفّين حتّى وصلت الضربة إلى قربوس فرسه ، وانهزم الباقون. وقتل يوم بدر الوليد بن عتبة ، وشرك في قتل عتبة ، وقتل جماعة من صناديد المشركين حتّى رُوي أنّه قتل نصف المقتولين. وفي يوم أحد قتل أصحاب اللواء ، وهم سبعة. ولمّا فرّ المسلمون ، ثبت فيمن ثبت مع النّبي (ص) يحامي عنه ، وكلّما شدّ جماعة على النّبي (ص) ، تقدّم إليهم فقاتلهم وقتل فيهم. وفي يوم الخندق بارز عمرو بن عبد ود بعدما جبن عنه النّاس جميعاً ، وانهزم المشركون بقتله. وفي يوم خيبر قتل مرحباً وهزم اليهود ، واقتلع الباب وفتح الحصن ، وكان الفتح على يديه.
وفي جميع الوقائع والغزوات كان له المقام الأسمى في الشجاعة والثبات. وفي يوم الجمل وصفّين والنّهروان باشر الحرب بنفسه ، وقتل صناديد الأبطال وجدّل أبطال الرجال ، ولم يهرب في موطن قط. وكانت ضرباته وتراً ، إذا علا قدَّ ، وإذا اعترض قطَّ. ولم يُبارز قَرناً فسلم القرن منه ، ولا دُعي إلى مبارزة فنكل ، وهذا كلّه من الاُمور العجيبة التي لمْ تتفق لغير علي بن أبي طالب (ع). وشجاعته ملحقة بالبديهات ، يقبح بالإنسان إطالة الكلام فيها ، وإكثار الشواهد عليها.