المجلس الحادي والخمسون
لمّا كان يوم عاشوراء ركب الحسين (ع) ناقته ـ وقيل فرسه ـ وخرج إلى النّاس فاستنصتهم ، فأبوا أنْ ينصتوا له حتّى قال لهم : «ويلكم! ما عليكم أنْ تنصتوا لي فتسمعوا قولي ، وإنّما أدعوكم الى سبيل الرّشاد ، فمَن أطاعني كان من المرشدين ، ومَن عصاني كان من المهلكين ، وكلّكم عاصٍ لأمري غير مستمع قولي ، فقد مُلئتْ بطونُكم من الحرام وطُبع على قلوبكم. ويلكم! ألا تنصتون ألا تسمعون». فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا : انصتوا له. فحمد الله وأثنى عليه وذكَرَه بما هو أهله ، وصلّى على محمّد (ص) وعلى الملائكة والأنبياء والرُّسل وأبلغ في المقال ، ثمّ قال : «تبّاً لكم أيّتها الجماعة وتَرْحاً! أحين استصرختُمونا وَالهين ، فأصرخناكُم مُوجِفين مُؤدِّين مُستعدِّين ، سللتُمْ علينا سيفاً لنا في أيمانِكم ، وحششتم علينا ناراً قَدحْناها على عدوِّكم وعدوِّنا ، فأصبحتم إلْباً على أوليائكُم ويداً عليهم لأعدائِكم ، بغير عدلٍ أفشَوه فيكمْ ، ولا أملٍ أصبح لكم فيهم ، إلاّ الحرامَ من الدّنيا أنالوكُمْ ، وخسيسُ عيشٍ طمعتُم فيه ، من غيرِ حَدثٍ كان مِنّا ، ولا رأيٍ تفيَّل (١) لنا. فهلاّ ـ لكم الويلات ـ إذ كرهتمُونا وتركتمُونا ، تجهّزتُمُوها والسّيف مِشيَمٌ (٢) ، والجأش (٣) طامنٌ (٤) ، والرأي لمّا يُستَحصَف (٥) ، ولكن أسرعتُم إليها كطَيرة الدِّبا (٦) ، وتداعيتُم إليها كتداعي الفراش. فسُحقاً لكم يا عبيد طواغيت الاُمّة ، وشِذاذَ الأحزابِ ونَبَذةَ الكتاب ، ونفَثةَ
____________________
(١) تفيل الرأي : أخطأ وأضعف.
(٢) مغمد.
(٣) الجأش : القلب والفكر.
(٤) ساكن مطمئن.
(٥) يستحكم.
(٦) الدَبا (بفتح الدال وتخفيف الباء) : الجراد الصغير. ـ المؤلّف ـ