المجلس الخامس والعشرون
لمّا وصل الحسين (ع) إلى مكّة وذلك لثلاث مضين من شعبان سنة ستّين من الهجرة ، دخلها وهو يقرأ : (وَلَمّا تَوَجّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ). وجاءه عبد الله بن عبّاس وعبد الله بن الزّبير فأشارا عليه بالإمساك ، فقال لهما : «إنّ رسول الله (ص) أمرني بأمر وأنا ماض فيه». فخرج ابن عبّاس وهو يقول : وآحسيناه! ثم جاءه عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال ، وحذّره من القتل والقتال ، فقال (ع) له : «يا أبا عبد الرحمن ، أما علمت أنّ من هوان الدّنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا اُهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل. أما تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً ، ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنْ لم يصنعوا شيئاً ، فلم يعجّل الله عليهم بل أخذهم أخذ عزيز ذي انتقام. اتقِّ الله يا أبا عبد الرحمن ، ولا تدعنّ نُصرتي». وبلغ أهل الكوفة امتناعُ الحسين (ع) من بيعة يزيد وخروجه إلى مكّة ، فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، وكتبوا إليه بالقدوم عليهم ووعدوه النصرة. وتواترت عليه كتبهم حتّى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب ، وفي بعضها : أنّ النّاس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثمّ العجل العجل ، وفي بعضها : قد اخضرّ الجناب وأينعت الثمار ، وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار ، فإذا شئت فأقبلْ على جند لك مجنّد. وفي رواية : أنّهم كتبوا إليه : إنّا معك مئة ألف سيف. وهو مع ذلك يتأنّى ولا يجيبهم. ثم أجابهم بالقبول ، وأرسل إليهم ابن عمّه مسلم بن عقيل رضوان الله عليه ، فكتب إليه مسلم يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفاً ويأمره بالقدوم. وفي رواية : أنّه بايعه منهم أربعون ألفاً على أنْ يحاربوا مَن حارب ويسالموا مَن سالم. فأقام الحسين (ع) بمكّة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالاً وذا القعدة وسبعة أيام من ذي الحجّة وخرج في اليوم الثامن ؛ وذلك أنّ يزيد بن معاوية أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم ، وولاّه أمر الموسم وأمره على الحاجّ كلّهم