المجلس الثامن والخمسون بعد المئة
لمّا كان يوم صفّين دفع علي (ع) الراية إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص ، ويُسمّى : المرقال ؛ لأنّه كان يرقل بالراية إرقالاً. وكان عليه درعان ، وكان من خيار أصحاب أمير المؤمنين (ع) وشجعانهم ، وكان أعور ، فقال له علي (ع) كالمُمازح : «أمَا تخشى أنْ تكون أعورَ جباناً؟». قال : ستعلم يا أمير المؤمنين ، والله ، لألفنّ بين جماجم القوم لفّ رجل ينوي الآخرة. فأخذ رمحاً فهزّه فانكسر ، ثمّ أخذ آخر فوجده جاسياً فألقاه ، ثمّ أخذ رمحاً ليّناً فشدّ به اللواء وهزّه ، وقال :
أعْوَرُ يبْغي رُمْحهُ محَلاَّ |
|
قَدْ عالجَ الحياةَ حتّى ملاَّ |
لا بُدَّ أنْ يَغُلَّ أو يُغلاَّ |
|
أشلُّهُمْ بذي الكُعوبِ شَلاَّ |
معَ ابنِ عمِّ أحمدَ المُعلَّى |
|
فيهِ الرَّسولُ بالهُدَى استَهلاَّ |
أوّلُ مَنْ صَدَّقهُ وصلَّى |
|
فجاهدَ الكُفّارَ حتّى أبلَى |
وجعل عمّار بن ياسر يتناوله بالرمح ، ويقول : اقدم يا أعور ، لا خيرَ في أعور لا يأتي الفزعْ. وكان هاشم عالماً بالحرب ، فجعل عمرو بن العاص يقول : إنّي لأرى لصاحب الراية السّوداء عملاً ، لئن دام على هذا ، ليفنينّ العرب اليوم. وزحف هاشم بالراية ، واقتتل النّاس قتالاً شديداً لم يُسمع بمثله ، وجعل هاشم يقول :
أعْوَرُ يبْغي نفسَهُ خَلاصَا |
|
مثلُ الفنِيقِ لابِساً دِلاصَا |
قدْ جرَّبَ الحربَ ولا أناصَا |
|
لا ديَّةً يخْشَى ولا قِصاصَا |
كلُّ إمرئٍ وإنْ كبَا وحاصَا |
|
ليسَ يرَى منْ مَوتِهِ مَناصَا |
وقاتل هاشم وأصحابه قتالاً شديداً ، فحمل عليه الحارث التنوخي فطعنه فسقط ، وبعث إليه علي (ع) : «أنْ قدّم لواءَك». فقال للرسول : انظر إلى بطني ، فإذا هو قد