المجلس الثامن والستّون بعد المئة
في العقد الفريد : حجّ معاوية ، فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحُجون ، يقال لها : دارميّة الحجونيّة ، وكانت سوداء كثيرة اللحم. فاُخبر بسلامتها ، فبعث إليها فجيء بها ، فقال : ما جاء بك يابنة حام؟ فقالت : لستُ لحامٍ إنْ عبتني ؛ أنا امرأة من بني كنانة. قال : صدقت ، أتدرين لمَ بعثت إليك؟ قالت : لا يعلم الغيب إلاّ الله. قال : بعثت إليك لأسألك : عَلامَ أحببتِ عليّاً وأبغضتني؟ وواليته وعاديتني؟ قالت : أوَتعفيني؟ قال : لا أعفيك. قالت : أمّا إذا أبيت ، فإنّي أحببتُ عليّاً على عدله في الرعيّة ، وقسمه بالسويّة ، وأبغضتك على قتال مَن هو أولى منك بالأمر ، وطلبتك ما ليس لك بحقّ. وواليتُ عليّاً على ما عقد له رسول الله (ص) من الولاء ، وحبّه المساكين ، وإعظامه لأهل الدين ، وعاديتك على سفك الدماء ، وجورك في القضاء ، وحكمك في الهوى. قال : فلذلك انتفخ بطنك ، وعظم ثدياك ، وربت عجيزتك. قالت : يا هذا ، بهند والله ، كان يُضرب المثل في ذلك لا بي. قال معاوية : يا هذه ، أربعي فإنّا لم نقلْ إلاّ خيراً ، إنّه إذا انتفخ بطن المرأة تمّ خلق ولدها ، وإذا عظم ثدياها تروّى رضيعها ، وإذا عظمت عجيزتها رَزن مجلسها. فرجعت وسكتت. قال لها : يا هذه ، هل رأيت عليّاً؟ قالت : إي والله. قال : فكيف رأيته؟ قالت : رأيته والله ، لم يفتنه الملك الذي فتنك ، ولم تشغله النّعمة التي شغلتك. قال : فهل سمعت كلامه؟ قالت : نعم والله ، فكان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيتُ صدأ الطست. قال : صدقت ، فهل لك من حاجة؟ قالت : أوَتفعل إذا سألتك؟ قال : نعم. قالت : تعطيني مئة ناقة حمراء ، فيها فحلها وراعيها. قال : تصنعين بها ماذا؟ قالت : أغذو بألبانها الصغار واستحيي بها الكبار ، واكتسب بها المكارم وأصلح بها بين العشائر. قال : فإنْ أعطيتك ذلك ، فهل أحلُّ عندكِ محلَّ علي بن أبي طالب؟ قالت : سبحان الله! أوَ دونه؟! فأنشأ معاوية يقول :