المجلس الثلاثون
لما بلغ مسلم بن عقيل ما فعله عبيد الله بن زياد بهاني بن عروة ، نادى في أصحابه ـ وكانوا أربعة آلاف رجل ـ فاجتمعوا عليه ، فخرج بهم لحرب ابن زياد ، وتداعى النّاس واجتمعوا حتّى امتلأ المسجد والسّوق ، ودخل عبيد الله القصر وأغلق أبوابه فضاق به أمره ، وأقام النّاس مع مسلم يكثرون حتّى المساء وأمرهم شديد. وبعث عبيد الله إلى أشراف النّاس فجمعهم عنده ، ثمّ أشرفوا على النّاس يُرغّبونهم ويُرهبونهم ويُخوّفونهم بأجناد الشام ، فأخذوا يتفرّقون ، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها فتقول : انصرف ، النّاس يكفونك. ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول : غداً يأتيك أهل الشام ، فما تصنع بالحرب والشرّ؟ انصرف. فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى ابن عقيل وصلّى المغرب وما معه إلاّ ثلاثون نفساً في المسجد ، فخرج متوجّهاً إلى أبواب كندة فلم يبلغها إلاّ ومعه عشرة ، ثمّ خرج من الباب فإذا ليس معه أحد. فمضى على وجهه لا يدري أين يذهب حتّى أتى إلى باب امرأة يقال لها طوعة ، فسلّم عليها فردّت (ع) ، وطلب منها ماء فسقته وجلس ، ودخلت ثمّ خرجت فقالت : يا عبد الله ، ألم تشرب؟ قال : بلى. قالت : فاذهب إلى أهلك. فسكت ، ثمّ أعادت القول فسكت ، ثمّ أعادت القول فسكت ، فقالت في الثالثة : سبحان الله! يا عبد الله ، قم عافاك الله إلى أهلك فإنّه لا يصحّ لك الجلوس على بابي ولا أحلّه لك. فقام وقال : يا أمة الله ، ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة ، فهل لك في أجر معروف ولعلّي مكافيك بعد هذا اليوم؟ قالت : وما ذاك؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني وأخرجوني. قالت : أنت مسلم؟! قال : نعم. قالت : ادخل. فدخل إلى بيت في دارها غير الذي تكون فيه ، وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعشَّ. وجاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه ، فقال : والله ، إنّه ليريبني كثرة دخولك إلى هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة ، إنّ لك لشأناً! قالت له : يا بُني ، إلْه عن هذا. فقال : والله لتخبريني. قالت له : أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء. فألحّ عليها ، فقالت : يا بُني ، لا