المجلس السادس والثّلاثون بعد المئتين
عن عبد الله بن المُبارك قال : حججت في بعض السّنين ، فبينما أنا أسير في عرض الحاجّ ، إذا أنا بشاب وسيم الوجه يسير ناحية عن الحاجّ بلا زاد ولا راحلة ، فتقدمتُ إليه وسلمت عليه ، فردَّ عليَّ السّلام ، فقلتُ : مع مَن قطعت البر؟ قال : «مع الباري». فعظم في عيني ، فقلتُ له : أين زادك وراحلتك؟ قال : «زادي تقواي ، وراحلتي رجلاي ، وقصدي مولاي». فكبر في نفسي ، فقلتُ له : ممّن تكون أيّها الشّاب؟ قال : «هاشمي». قلتُ : أفصح؟ قال : «طالبي». قلتُ : أوضح؟ قال : «فاطمي». قلتُ له : يا سيّدي ، هل قلتَ شيئاً من الشّعر؟ قال : «نعم». قلتُ : أنشدني من شعرك. فأنشأ يقول :
نحنُ على الحوضِ ذوَّادُهُ |
|
وتُسقَى بنا منهُ ورّادُهُ |
وما فازَ مَنْ فاز إلاّ بنا |
|
وما خاب مَن حُبُّنا زادُه |
ومَنْ سرَّنا نالَ منّا لسّرورَ |
|
ومَنْ ساءَنا ساءَ ميلادُهُ |
ومَنْ كانَ غاصبُنا حقّنا |
|
فيومُ القيامةِ ميعادُهُ |
ثمّ غاب عن عيني ، فلم أره حتّى أتيت مكّة المكرمة وقضيت الحجّ وأتيت الأبطح ، فإذا أنا بحلقة مستديرة ، فاطّلعت لأنظر مَن فيها ، فإذا أنا بصاحبي الشّاب الهاشمي ، فسمعته يقول :
نحنُ بنُو المُصطفَى ذوُو غُصصٍ |
|
يجرعُها في الأنامِ كاظمُنا |
عظيمةٌ في الأنامِ مِحنتُنا |
|
أوّلُنا مُبْتلىً وآخرُنا |
يفرحُ هذا الورَى بعيدِهم |
|
ونحنُ أعيادُنا مآتِمُنا |
والنّاسُ بالأمنِ والسُّرورِ ولا |
|
يأمنُ طولَ الزَّمانِ خائفُنا |
يحكمُ فينا والحُكمُ فيه لنَا |
|
جاحدُنا حقَّنا وغاصبُنا |