المجلس السادس والعشرون
لمّا عزم الحسين (ع) على الخروج من مكّة إلى العراق ، جاءه محمّد بن الحنفيّة رضوان الله عليه في الليلة التي أراد الحسين (ع) الخروج في صبيحتها ، فقال له : يا أخي ، إنّ أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفتُ أنْ يكون حالك كحال مَن مضى ، فإنْ رأيت أنْ تقيم فإنّك أعزّ مَن في الحرم وأمنعه. فقال (ع) : «يا أخي ، قد خفت أنْ يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم ، فأكون الذي تُستباح به حرمة هذا البيت». فقال له ابن الحنفيّة : فإنْ خفتَ ذلك فسرْ إلى أرض اليمن أو بعض نواحي البرّ فإنّك أمنع النّاس به ، ولا يقدر عليك أحد. فقال (ع) : «أنظر فيما قلت». فلمّا كان السّحر ارتحل الحسين (ع) ، فبلغ ذلك ابن الحنفيّة ، فأتاه فأخذ بزمام ناقته ـ وقد ركبها ـ فقال : يا أخي ، ألمْ تعدني النظر فيما سألتك؟ قال (ع) : «بلى». قال : فما حداك على الخروج عاجلاً؟ قال (ع) : «أتاني رسول الله (ص) بعدما فارقتك فقال : يا حسين ، اخرج فإنّ الله شاء أنْ يراك قتيلاً». فقال محمّد بن الحنفيّة : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟ فقال (ع) : «إنّ الله قد شاء أنْ يراهنّ سبايا». فسلّم عليه ومضى. وسمع عبد الله بن عمر بخروجه ، فقدّم راحلته وخرج خلفه مسرعاً ، فأدركه في بعض المنازل فقال : أين تريد يابن رسول الله؟ قال (ع) : «العراق». قال : مهلاً ، ارجع إلى حرم جدّك رسول الله (ص). فأبى الحسين (ع) ، فلما رأى ابن عمر إباءه قال : يا أبا عبد الله ، اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله (ص) يقبّله منك. فكشف الحسين (ع) عن سرّته ، فقبّلها ابن عمر ثلاثاً وبكى وقال : أستودعك الله يا أبا عبد الله ، فإنّك مقتول في وجهك هذا.
إنْ يقتلُوكَ فلا عَنْ فَقدِ معرفةٍ |
|
الشّمسُ مَعْروفةٌ بالعينِ والأثرِ |
قدْ كُنتَ في مشرِقِ الدّنيا ومغْربِها |
|
كالحمدُ لمْ تُغنِ عنهَا سائرُ السّوَرِ |