المجلس الرابع والعشرون
لمّا تهيّأ الحسين (ع) للخروج من المدينة ، مضى في جوف الليل إلى قبر اُمّه عليهاالسلام فودّعها ، ثمّ مضى إلى قبر أخيه الحسن (ع) ففعل كذلك ، ثمّ رجع إلى منزله وقت الصبح. فأقبل إليه أخوه محمّد بن الحنفيّة فقال : يا أخي ، أنت أحبّ الخلق إليّ وأعزّهم عليّ ، ولستُ أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقّ بها منك ؛ لأنّك مزاج مائي ونفسي وروحي وبشري ، وكبير أهل بيتي ، ومَن وجبت طاعته في عنقي ؛ لأنّ الله قد شرّفك عليّ وجعلك من سادات أهل الجنّة. تنحَ ببيعتك عن يزيد وعن الأمصار ما أستطعت ، ثمّ ابعث رسلك إلى النّاس ، فإنْ تابعك النّاس وبايعوا لك ، حمدت الله على ذلك ، وإنْ اجتمع النّاس على غيرك ، لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك. إنّي أخاف عليك أنْ تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف النّاس بينهم ، فتكون لأول الأسنّة غرضاً ، فإذا خير هذه الاُمّة كلّها نفساً وأباً واُمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً. فقال له الحسين (ع) : «فأين أذهب يا أخي؟». قال : تخرج إلى مكّة ، فإنْ اطمأنّت بك الدار بها فذاك ، وإنْ تكن الاُخرى جئت الى بلاد اليمن فإنّهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف النّاس وأرقّهم قلوباً وأوسع النّاس بلاداً ، فإنْ اطمأنّت بك الدار وإلاّ لحقت بالرمال وشعوب الجبال ، وجزت من بلد إلى بلد حتّى تنظر ما يؤول إليه أمر النّاس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين. فقال الحسين (ع) : «يا أخي ، والله لو لَمْ يكن في الدّنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية». فقطع محمّد بن الحنفيّة عليه الكلام وبكى ، فبكى الحسين (ع) معه ساعة ثمّ قال (ع) : «يا أخي جزاك الله خيراً ، فقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج إلى مكّة وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي ، أمرهم أمري ورأيهم رأيي .. وأمّا أنت يا أخي ، فلا عليك أنْ تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم ، لا تخفي عنّي شيئاً من اُمورهم». ثم دعا الحسين (ع) بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمّد بن الحنفيّة :