المجلس الخامس والثلاثون
لمّا بلغ الحسين (ع) إلى الحاجر (١) من بطن الرّمة (٢) ، كتب كتاباً إلى جماعة من أهل الكوفة ، منهم : سليمان بن صرد الخزاعي ، والمسيّب بن نجبة ، ورفاعة بن شداد وغيرهم ، وأرسله مع قيس بن مسهّر الصيداوي ـ وذلك قبل أنْ يعلم بقتل مسلم ـ يقول فيه : «بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين ، سلام عليكم ، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعد ، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم ، واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقّنا ، فسألت الله أنْ يحسن لنا الصّنيع وأنْ يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التّروية ، فإذا قدم عليكم رسولي ، فانكمشوا في أمركم وجدّوا ، فإنّي قادم عليكم في أيامي هذه إنْ شاء الله تعالى ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته». وكان مسلم بن عقيل قد كتب إليه قبل أنْ يُقتل بسبع وعشرين ليلة. فأقبل قيس بكتاب الحسين (ع) إلى الكوفة ، وكان ابن زياد لمّا بلغه مسير الحسين (ع) من مكّة إلى الكوفة ، بعث الحُصين بن تميم صاحب شرطته حتّى نزل القادسيّة ، فلمّا انتهى قيس إلى القادسيّة ، اعترضه الحُصين بن تميم ليفتّشه فأخرج قيس الكتاب وخرّقه ، فحمله الحُصين إلى ابن زياد فلمّا مثُل بين يديه ، قال له : مَن أنت؟ قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه الحسين عليهماالسلام. قال : فلماذا خرّقت الكتاب؟ قال : لئلاّ تعلم ما فيه. قال : وممَّن الكتاب ، وإلى مَن؟ قال : من الحسين (ع) إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف اسماءهم. فغضب ابن زياد وقال : والله ، لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين بن علي وأباه وأخاه ، وإلاّ قطّعتك إرباً
______________________
(١) بحاء مهملة وجيم وراء مهملة : اسم مكان بطريق الحاج العراقي.
(٢) الرُمّة ، بضمّ الراء المهملة وتشديد الميم ، وقد تُخفف : قاع عظيم بنجد. ـ المؤلّف ـ