المجلس السابع والأربعون بعد المئتين
روى الصّدوق في العيون بسنده : أنّ المأمون قال : أتدرون مَن علّمني التشيّع؟ فقالوا : لا. قال : علّمنيه الرشيد. قالوا : كيف والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟! قال : كان يقتلهم على المُلك ، ولقد حججتُ معه سنة ، فلمّا ورد المدينة قال لحُجّابه : لا يدخلنَّ عليَّ رجلٌ إلاّ نسب نفسه. فكان يُعطيهم على قدَرِ شرفهم وهجرة آبائهم ، من خمسة آلاف دينار إلى مئتي دينار. فدخل عليه يوماً الربيع ، فقال : على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر. فأقبل الرشيد عليَّ وعلى الأمين والمؤتمن والقوّاد ، ونحن قيام على رأسه ، فقال : احفظوا عليَّ أنفسكم. ثمّ قال لآذنِهِ : ائذن له ولا ينزل إلاّ على بساطي. فأقبل شيخٌ مُصفرُّ اللون قد نهكته العبادة ، وكلِمَ من السّجود وجهُهُ وأنفُه ، فلمّا رأى الرشيد رمى بنفسه عن حمار كان راكبه ، فقال الرشيد : لا والله ، إلاّ على بساطي. فمنعه الحُجّاب من الترجّل ، ونظرنا إليه بالإجلال والإعظام ، فما زال يسير على حماره حتّى صار إلى البساط ، والحُجّاب والقوّاد محدقون به ، فنزل فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط ، وقبّل وجهه وعينيه ، وأخذ بيده فأجلسه معه في صدر المجلس ، وجعل يُحدّثه ويُقبل بوجهه عليه ويسأله عن أحواله ، ثم قال له : يا أبا الحسن ، ما عليك من العيال؟ قال : «يزيدون على الخمسمئة». قال : أولادك كلّهم؟ قال : «لا ، أكثرهم موالي وحشم ؛ فأمّا الوِلد فلي نيف وثلاثون ، والذّكران منهم كذا والنّسوان كذا». قال : فلِم لا تُزوج النّسوان من بني عمومتهنَّ وأكفائهنّ؟ قال : «اليد تقصر عن ذلك». قال : فما حال الضّيعة؟ قال : «تُعطي في وقت وتمنع في آخر». قال : فهل عليك دَين؟ قال : «نعم». قال : كم؟ قال : «نحو من عشرة آلاف دينار». فقال الرشيد : يابن عم ، أنا اُعطيك من المال ما تُزوّج الذكران والنّسوان ، وتقضي الدَّين وتُعمّر الضّياع. فقال له : «وصلتك رحمٌ يابن عم ، وشكر الله لك هذه النّية الجميلة. والرَّحمُ ماسَّة ، والقرابةُ واشجة ، والنّسب واحد ، والعبّاس عمُّ النّبيِّ (ص) وصنو أبيه ، وعمُّ عليّ بن أبي طالب وصنو أبيه». قال : أفعل ذلك يا أبا الحسن وكرامة. ثمّ