فهل يستصحب هذه الحرمة التعليقيّة في مائه أيضا فيحرم عند تحقّق الغليان أو لا ، بل يستصحب في مائه الإباحة السابقة على الغليان بعد تحقّقه؟ وقد اختلف فيه ، فعن العلاّمة الطباطبائي (١) التمسّك به في مسألة حرمة العصير الزبيبي بالغليان بدعوى تقديمه على استصحاب الإباحة.
وعن السيّد صاحب المناهل منعه حاكيا له عن والده في مجلس الدرس ، حيث إنّه في ردّ تمسّك العلاّمة المذكور قال : « يشترط في حجّيّة الاستصحاب ثبوت أمر أو حكم وضعي أو تكليفي في زمان من الأزمنة قطعا ، ثمّ يحصل الشكّ في ارتفاعه بسبب من الأسباب ، ولا يكفي مجرّد قابليّة الثبوت باعتبار من الاعتبارات ، فالاستصحاب التقديري باطل.
وقد صرّح بذلك الوالد العلاّمة في مجلس الدرس ، فلا وجه للتمسّك باستصحاب التحريم في المسألة (٢) » انتهى.
ومن مشايخنا أورد عليه : « بأنّه لا إشكال في أنّه يعتبر في الاستصحاب تحقّق المستصحب سابقا والشكّ في ارتفاع ذلك المتحقّق ولا إشكال أيضا في عدم اعتبار أزيد من ذلك.
ومن المعلوم أنّ تحقّق كلّ شيء بحسبه ، فإذا قلنا : « العنب يحرم ماؤه إذا غلا ، أو بسبب الغليان » فهناك لازم وملزوم وملازمة ، أمّا الملازمة ـ وبعبارة اخرى : سببيّة الغليان لتحريم ماء العصير ـ فهي متحقّقة بالفعل من دون تعليق.
وأمّا اللازم وهو الحرمة فله وجود مقيّد بكونه على تقدير الملزوم ، وهذا الوجود التقديري أمر متحقّق في نفسه في مقابل عدمه ، وحينئذ فإذا شككنا في أنّ وصف العنبيّة له مدخل في تأثير الغليان في حرمة مائه فلا أثر للغليان في التحريم بعد جفاف العنب وصيرورته زبيبا ، فأيّ فرق بين هذا وبين سائر الأحكام الثابتة للعنب إذا شكّ في بقائها بعد صيرورته زبيبا؟ » انتهى كلامه رفع مقامه (٣).
أقول : والتحقيق في دفع هذا القول والطعن على الدليل المذكور أن يقال : « انّ هاهنا مقدّمات بني عليها الدليل.
المقدّمة الاولى : أنّه يعتبر في الاستصحاب الشكّ في بقاء الشيء في الآن الثاني بعد اليقين بتحقّقه في الآن الأوّل ، على معنى كون المستصحب أمرا ثابتا في وقت ثمّ شكّ في
__________________
(١) المصابيح ( مخطوط ) : ٤٤٧.
(٢) المناهل : ٦٥٢ ( كتاب الأطعمة والأشربة ).
(٣) فرائد الاصول ٣ : ٢٢٣.