الجاني أنّه كان ميّتا ، فإنّ المستفاد منهم في هذا الفرع نهوض استصحاب لا ثبات القتل الّذي هو سبب الضمان ، ولذا قد يعارض بأصالة عدم الضمان وإن ضعف من حيث إنّ بقاء الحياة بالاستصحاب إلى زمان القدّ سبب في الضمان فلا معنى لأصالة عدم الضمان.
وبالجملة فالمستصحب في هذا الفرع هو الحياة ، والضمان مترتّب على القتل وهو لازم عادي للحياة حال القدّ.
ومنها : استصحاب بقاء الحياة لترجيح قول الجاني فيما لو اختلف هو والولي في موت المجنيّ عليه بعد الاندمال أو قبله ، فلا ضمان حينئذ على ما ذكره جماعة تبعا للمبسوط (١) والشرائع (٢) ، إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع من موارد اعتبارهم الاصول المثبتة ، فيتوجّه إليهم سؤال وجه الفرق والتفصيل بين الموارد ، فإن كان مبنى اعتبارهم الاستصحاب على الأخبار فقد عرفت أنّه يقتضي بطلان الاصول المثبتة مطلقا ، وإن كان على ظنّ البقاء فهو يقتضي صحّتها كذلك على ما بيّناه فما وجه الفرق والتفصيل؟
ويمكن الذبّ عن الإشكال بوجهين :
أحدهما : كون بناء عمل العاملين بالاصول المثبتة في بعض المقامات على اعتبار الاستصحاب من حيث الظنّ بالبقاء تعويلا على بناء العقلاء ، ولا يقدح فيه ترك العمل بها في بعض المقامات أيضا ، لأنّ اعتبار الاستصحاب على هذه الطريقة مبنيّ على مقدّمتين :
إحداهما : حصول الظنّ بالبقاء.
والاخرى : اعتبار هذا الظنّ وحجّيته.
وظاهر أنّ الظنّ بنفسه لا يلازم الحجّية ، وحينئذ فالظنّ ببقاء المستصحب وإن كان يستلزم الظنّ بلوازمه ـ شرعيّة أو عقليّة أو عاديّة كما عرفت سابقا ـ ولكن اعتبار الظنّ بالملزوم لا يلازم اعتبار الظنّ باللازم ، لجواز التفكيك بينهما في الاعتبار وعدمه بل وقوعه في الشرعيّات ، ومنه ما لو قام أمارة ظنّية بمسألة فرعيّة مستلزمة لمسألة اصوليّة على وجه يلزم من الظنّ بالاولى الظنّ بالثانية ، كما لو ورد خبر ظنّي بنجاسة المجسّمة المستلزمة لكفرهم ، فإنّه يعمل بالظنّ بالنجاسة لكونه ظنّا في المسألة الفرعيّة ولا يعمل بالظنّ بالكفر لعدم اعتبار الظنّ في اصول الدين ، ونحوه ما لو ظنّ لأمارة ظنّية بالقبلة عند تعذّر العلم بها
__________________
(١) المبسوط ٧ : ١٠٦ ـ ١٠٧.
(٢) الشرايع ٤ : ٢٤١.