لكن صحّة هذا الفرض لا تخلو عن تأمّل ، بل هي عند التحقيق محلّ منع ، إذ الوجه في إسقاط المسقط المفروض إمّا كونه محصّلا للمصلحة المقصودة من الأمر بالواجب المعلوم ، فلا مناص من التزام وجوبه ليكون أحد فردي الواجب المخيّر ، عملا بالاعتبار القاضي في فعلين متشاركين في المصلحة بوجوب طلب كلّ منهما على البدل لئلاّ يلزم الترجيح من غير مرجّح ، أو كونه رافعا لموضوع ذلك الواجب المعلوم أو شرط وجوبه ، فلا يصحّ كونه أحد فردي الواجب المخيّر ، بل إطلاق المسقط عليه حينئذ مسامحة ، وإلاّ فلا سقوط ولا إسقاط في الحقيقة.
وبذلك ظهر أنّ التمثيل لهذا الفرض بالسفر المباح المسقط لوجوب الصوم وارد على خلاف التحقيق ، لأنّ وجوب الصوم مشروط بالحضر ، فموضوعه المكلّف الحاضر بوصف كونه حاضرا ، والسفر المباح رافع لهذا الموضوع ، فليس هذا من باب سقوط الواجب مع بقاء موضوعه ، بل من باب تبدّل موضوع حكم بموضوع حكم آخر ، فعدم وجوب الصوم بعد السفر إنّما هو من جهة عدم كون المسافر من موضوعه.
وربّما جعل من هذا الباب ما لو شكّ في وجوب الائتمام على من عجز عن القراءة وتعلّمها ، بناء على رجوع المسألة إلى الشكّ في كون الائتمام مستحبّا مسقطا أو واجبا مخيّرا بينه وبين الصلاة مع القراءة ، فيندفع وجوبه التخييري بالأصل يعني أصل العدم.
وفيه : أنّ الإسقاط هاهنا ممّا لا معنى له ، لسقوط القراءة في الصلاة بالعجز ، مع امتناع وقوع الصلاة مع القراءة مع العجز عنها أحد فردي الواجب المخيّر ، لانتفاء القدرة عليها ، إذ القدرة على المكلّف به وعلى أجزائه كما أنّها شرط في الوجوب التعييني فكذلك في الوجوب التخييري ، فكما لا يصحّ وقوع الوجوب التعييني على هذه الصلاة فكذا لا يصحّ وقوع الوجوب التخييري عليها ، ففرض هذا المكلّف هو الصلاة الخالية عن القراءة ، كما أنّ فرض العاجز عن القيام في الصلاة هو الصلاة بلا قيام ، والشكّ في وجوب الائتمام إنّما هو للشكّ في بدليّة قراءة الإمام عن قراءة المأموم وقيامها مقامها ، وعليه فهو من دوران الأمر بين الوجوب التعييني والاستحباب لا من التخييري والاستحباب.
وربّما أمكن القول بعدم تعذّر الصلاة مع القراءة على من يتمكّن من الائتمام ، بناء على أنّ الإمام يتحمّل قراءة المأموم فيقوم قراءته مقام قراءته ، ومن الواجب على المكلّف تحصيل القراءة لصلاته إمّا بالتعلّم أو بالائتمام ، فالائتمام أحد فردي مقدّمة الواجب ، ومن