أعمّ من اليقين العقلي واليقين الشرعي ـ واليقين بالعدم الأزلي بالنسبة إلى الزمان الأوّل نقض باليقين العقلي ، وبالنسبة إلى الزمان الثاني وهو زمان الشكّ نقض بالاستصحاب ، وهو يقين شرعي لا بالشكّ ليكون ممّا نفاه قوله : « لا ينقض اليقين بالشكّ ».
لا يقال : إنّ انعكاس الفرض أيضا ممكن وهو أن يقال : إنّ استصحاب عدم الوجوب بالنسبة إلى زمان الشكّ يقين شرعي ، فترك العمل بمقتضى اليقين بالوجوب نقض له بذلك الاستصحاب الّذي هو يقين شرعي لا بالشكّ ، ودعوى عدم ارتباط الشكّ المفروض باليقين بعدم الوجوب لمكان تعلّقه ببقاء الوجوب وارتفاعه. يدفعها : أنّ هذا الشكّ هو الّذي حدث من حين ورود الخطاب والأمر من الشارع بالجلوس والصوم ، لأنّه أوجب الشكّ في انتقاض العدم الأزلي بالقياس إلى جلوس ما بعد الزوال وصوم يوم الجمعة وعدمه ، فيكون مرتبطا باليقين بالعدم ومن الواجب عملا بقوله : « لا ينقض اليقين بالشكّ » (١) عدم رفع اليد عن هذا اليقين بسبب الاعتناء بالشكّ المفروض ، وليس هنا شكّ آخر لئلاّ يرفع اليد بسبب الاعتناء به عن اليقين بالوجوب ، ومرجعه إلى أنّ رفع اليد عن هذا اليقين نقض لليقين باليقين الشرعي وهو الاستصحاب العدمي لا بالشكّ.
لأنّا نقول : ـ مع أنّ اللازم من ذلك كون المقام من تبادل الاستصحابين لا من تعارضهما ، فليس هناك إلاّ استصحاب واحد وهو على حدّ الانفصال الحقيقي إمّا استصحاب حال الشرع أو استصحاب حال العقل ، ويختلف بفرض الفارض واعتبار المعتبر ـ إنّ المتبادر إلى الذهن المنساق إلى الفهم في نحو المقام بعد ملاحظة قوله : « لا ينقض اليقين بالشكّ » (٢) إنّما هو اليقين والشكّ من حيث تعلّقهما بالوجود حدوثا وبقاء.
فالّذي يجري في المورد بحسب متفاهم العرف إنّما هو الاستصحاب الوجودي ، وهو لكونه مثبتا للتكليف بالقياس إلى الاستصحاب العدمي النافي له بمنزلة الدليل المثبت للتكليف الوارد على الأصل النافي له ، فيكون واردا عليه رافعا لموضوعه الّذي هو الشكّ في انتقاض العدم بالنسبة إلى الزمان الثاني واليوم الثاني.
والسرّ فيه : أنّ الوجود ناقض للعدم فالعدم لا يعارض الوجود ، وكما أنّ الوجود الواقعي ناقض للعدم الواقعي فكذلك الوجود الشرعي الاستصحابي ناقض للعدم الشرعي الاستصحابي. لذا ذكرنا أنّ رفع اليد عن اليقين بالعدم بعد إعمال الاستصحاب الوجودي
__________________
(١ و ٢) تقدم آنفا.