نقض له بذلك الاستصحاب الّذي هو علم شرعي لا بالشكّ.
فملخّص ما ذكرناه في دفع شبهة التعارض : أنّ الزمان إن اخذ ظرفا للوجوب وغيره من الامور الوجوديّة المتيقّنة في وقت فلا يجري هنا إلاّ استصحاب وجوده ، لأنّ العدم قد انتقض بالوجود المطلق وقد حكم عليه بالاستمرار عملا بأدلّة الاستصحاب ، وإن اخذ قيدا له فلا يجري إلاّ استصحاب العدم ، لأنّ انتقاض عدم الوجود المقيّد لا يستلزم انتقاض المطلق والأصل عدم الانتقاض ، كما إذا ثبت وجوب صوم يوم الخميس بقوله : « صم يوم الخميس » وشكّ في يوم الجمعة.
وثاني ما يرد عليه : أنّ تعارض الاستصحابين حسبما زعمه إن صحّحناه إنّما يتأتّى فيما لم يعلم استعداده للبقاء والاستمرار ، أو لم يعلم مقدار استعداده لهما ، فلا يتأتّي فيما كان الشكّ باعتبار المزيل ، لعدم جريان الاستصحاب العدمي المفروض معارضا للاستصحاب الوجودي فيه ، فإنّ صوم اليوم بمفهومه يقتضي استمرار وجوبه إلى الليل إلاّ أن يتحقّق في الأثناء ما جعله الشارع رافعا له ، والوضوء بذاته باعتبار إطلاق سببيّته للطهارة يقتضي استمرار الطهارة إلى أن تحقّق ما جعله الشارع رافعا لها ، وملاقاة البول لذاتها باعتبار تماميّة تأثيره في تنجّس الملاقي يقتضي استمرار النجاسة إلى أن يتحقّق ما جعله الشارع رافعا لها. فالعدم الأزلي بالنسبة إلى جميع أزمنة عدم تحقّق الرافع بالنظر إلى جعل الشارع في جميع هذه الأمثلة ونظائرها قد انتقض يقينا بلا شكّ في انتقاضه ، المستلزم لاستمرار الوجود إلى ما شاء الله ، بل إلى الأبد لو فرض عدم تحقّق ما جعل رافعا على هذا الوجه. والشكّ في البقاء حيثما طرأ إنّما يطرأ بسبب الشكّ في الرافع إمّا تحقّقا للمجعول أو جعلا للمتحقّق ، لا لقصور الحكم عن استعداد البقاء والاستمرار من قبل الشارع لو لا ما جعله الشارع رافعا. فلا يتصوّر حينئذ استصحاب حال عقل راجع إلى جعل الشارع بالنسبة إليه حتّى في مثال الوضوء المجعول سببا مطلقا للطهارة المطلقة المستمرّة إلى آن تحقّق شيء من النواقض ، إذ ليس الكلام في الوضوء العذري الّذي يقال له : الوضوء الناقص ـ كالحاصل في مورد التقيّة المسوّغة فيه غسل الرجلين أو المسح على الخفّين أو غيرها من الضرورة المسوّغة للمسح على الخفّين ، ونحوه وضوء المسلوس والمبطون والمستحاضة الحاصل حال استمرار وجود الحدث ، ليقبل الشكّ في مقدار استعداد أثره الّذي هو إباحة الدخول في الصلاة للبقاء ، لينشأ منه الشكّ في جواز الدخول به في الصلاة بعد زوال العذر أيضا كما