الأمر قطعنا بتكليف صوم يوم الجمعة وشككنا في السبت ، وهذا الشكّ مستمرّ من حين ورود الأمر وإلى يوم السبت ، ولا ينقض اليقين بالشكّ فيستصحب عدم تكليف يوم السبت بالصوم ، وكذا نقطع يوم الجمعة بالصوم ونشكّ في السبت فيستصحب التكليف ـ أعني وجوب الصوم ـ فيحصل التعارض.
فإن قلت : عدم التكليف المعلوم قبل الأمر إنّما يستصحب لو لا الدليل على التكليف ، واستصحاب الوجوب المتيقّن في الجمعة دليل شرعي فيرتفع عدم التكليف وينقض اليقين باليقين.
قلنا : مثله يجري في الطرف الآخر ، فيقال : وجوب صوم الجمعة إنّما يستصحب لو لا الدليل على عدمه ، واستصحاب عدمه المتيقّن قبل ورود الأمر دليل شرعي ، فيرتفع الوجوب.
لا يقال : إنّ العلم بالعدم قد انقطع وحصل الفصل فكيف يستصحب.
لأنّا نقول : إنّه لم يحصل فصل أصلا بل كنّا قاطعين بعدم إيجاب يوم السبت يوم الخميس ، وشككنا فيه بعد الأمر ولم نقطع بوجوب صومه أصلا فيجب استصحابه » انتهى.
وملخّص السؤال الّذي أشار إليه ثانيا بقوله : « لا يقال » أنّ اليقين السابق بعدم وجوب الصوم قد انتقض باليقين اللاحق بوجوبه ، وأنّ العدم المتيقّن سابقا قد انقطع وارتفع بالوجود المتيقّن لاحقا ، فلا شكّ في ارتفاع الحالة السابقة العدميّة ليصحّ استصحابها.
ومحصّل ما ذكره في الجواب : أنّ اليقين السابق بالعدم قد انتقض بقدر اليقين اللاحق بالوجود ، وأنّ المتيقّن بهذا اليقين قد انقطع على حسب مقدار الوجود المتيقّن لا ما زاد عليه ، وهو يوم السبت المشكوك في وجوب صومه ، فاليقين بالعدم بالنسبة إلى هذا الزمان غير منتقض بيقين ، ولا أنّ العدم بالقياس إليه منقطع بوجود وإلاّ لم يكن هناك شكّ.
وذكر أيضا بعد ذلك في أوائل الفائدة الاولى المشار إليها زيادة بيان لتعارض الاستصحابين بقوله : « إنّه إذا علم أنّ الشارع أمرنا بالجلوس يوم الجمعة ، وعلم أنّه واجب إلى الزوال ولم يعلم وجوبه فيما بعده ، فنقول : كان عدم التكليف بالجلوس قبل يوم الجمعة وفيه إلى الزوال وبعده معلوما قبل ورود أمر الشارع ، وعلم بقاء ذلك العدم قبل يوم الجمعة وعلم ارتفاعه والتكليف بالجلوس فيه قبل الزوال وصار بعده موضع الشكّ ، فهناك شكّ ويقينان ، وليس إبقاء حكم أحد اليقينين أولى من إبقاء حكم الآخر.
فإن قلت : يحكم ببقاء اليقين المتّصل بالشكّ وهو اليقين بالجلوس.
قلنا : إنّ الشكّ في تكليف ما بعد الزوال حاصل قبل مجيء يوم الجمعة وقت ملاحظة