على أحد الأمرين من اليقين السابق أو اليقين بالاشتغال ، ولا سبيل إلى الأوّل لقضائه بالبناء على الأقلّ وهو خلاف المذهب فتعيّن الثاني ، ومعه تصير الرواية أجنبيّة بالنسبة إلى موضع الاستدلال. فالإنصاف : أنّ هذه الرواية لا تنهض دليلا على الاستصحاب مطلقا.
ومن الأخبار ما رواه ابن بابويه في الموثّق عن إسحاق بن عمّار قال : قال لي أبو الحسن عليهالسلام : « إذا شككت فابن على اليقين ، قال : قلت : هذا أصل؟ قال : نعم (١) ».
فإنّ قوله : « إذا شككت » لظهوره في حدوث الشكّ يفيد سبق يقين على الشكّ. وقوله : « فابن على اليقين » يعني به البناء على ذلك اليقين ، على معنى العمل على مقتضاه وترتيب الآثار على متعلّقة ، وهذا معنى الاستصحاب. وقوله : « هذ الأصل » سؤال عن كون البناء على اليقين قاعدة كلّية وضابطة مطّردة في جميع موارد الشكّ واليقين ، فقوله عليهالسلام : « نعم » يفيد حجّيّة كلّ استصحاب.
غاية الأمر أنّه خرج منه صور الشكّ في عدد ركعات الصلاة بورود النصّ بالبناء فيها على الأكثر.
ويمكن المناقشة فيها من حيث الدلالة بأنّها إن لم نقل باختصاصها بصور الشكّ في عدد الركعات ـ فاريد باليقين يقين البراءة الّذي يحصل بالبناء على الأكثر مع الإتيان بركعات الاحتياط حسبما قرّرناه سابقا ، ولذا ذكرها الأصحاب في باب الشكوك في الركعات ـ فلا أقلّ من احتمال ورودها لتأسيس قاعدة الاشتغال ، بإرادة البناء على اليقين بالبراءة عند الشكّ فيها مع اليقين باشتغال الذمّة.
وبعبارة اخرى قوله عليهالسلام : « إذا شككت فابن على اليقين » كما يحتمل أن يكون تقديره : « إذا شككت في بقاء شيء وارتفاعه بعد اليقين بحدوثه فابن على ذلك اليقين » فكذا يحتمل أن يكون تقديره : « إذا شككت في البراءة عند اليقين باشتغال الذمّة فابن على اليقين بالبراءة » وإن لم نقل بظهوره في الثاني فلا أقلّ من عدم ظهوره في الأوّل ، فلا دلالة في الرواية على المطلوب.
ويمكن الذبّ عنها : بمنع تساوي الاحتمالين فضلا عن ظهور ثانيهما ، لظهور « اليقين » في اليقين الفعلي فينطبق على اليقين الاستصحابي ، وحمله على اليقين بالبراءة خروج عن هذا الظاهر ، لأنّه ليس بحاصل فعلا بل من شأنه الحصول. فحمل لفظ الرواية على مثل
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٣١٨ ، الباب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ٢.