قلت : إن اريد من كونها باقية بقائها في الجملة فهو مسلّم ، بل الغالب في موارد الاستصحاب هو بقاء الحالة السابقة في الجملة ولكنّه غير مجد.
وإن اريد بقاؤها على وجه الاستمرار ولو بحسب استعداداتها.
ففيه : أنّه في كلّ آن إنّما هو باعتبار تحقّق المقتضي وانتفاء المانع ، فعلّة الحكم في الأفراد المستقرأ فيها غير محرزة في المستقرأ له ، لأنّ الشكّ في البقاء والارتفاع إنّما من جهة الشكّ في تحقّق هذه العلّة وعدمه ، ولو اريد إحرازها بالغلبة يدور الكلام السابق.
وبجميع ما قرّرناه يظهر ما في كلام بعض الأعلام من قوله ـ بعد عبارته المتقدّمة ـ : « فهاهنا مرحلتان الاولى في إثبات الاستمرار في الجملة ، الثانية إثبات مقدار الاستمرار ، ففيما جهل حاله من الممكنات القارّة يثبت الاستمرار في الجملة بملاحظة حال أغلب الممكنات ، مع قطع النظر عن تفاوت أنواعها وظنّ مقدار خاصّ من الاستمرار بواسطة حال النوع الّذي هو من جملتها. فالحكم الشرعي مثلا نوع من الممكنات قد يلاحظ من جهة مطلق الممكنات ، وقد يلاحظ من جهة مطلق الأحكام الصادرة من الموالي بالنسبة إلى العبيد ، وقد يلاحظ من جهة سائر الأحكام الشرعيّة (١) » انتهى.
فإنّا نقطع بأنّ كلّما بقي واستمرّ من الممكنات فإنّما بقاؤه واستمراره من جهة تحقّق مقتضيه وانتفاء مانعه ، والشكّ في البقاء والاستمرار في محلّ الاستصحاب إنّما هو باعتبار الشكّ في المقتضي أو باعتبار الشكّ في انتفاء المانع. والحكم ببقاء ما شكّ في تحقّق مقتضيه أو انتفاء مانعه واستمراره والحال هذه بملاحظة ما غلب استمراره من الممكنات أو أحكام الموالي بالنسبة إلى العبيد أو سائر الأحكام الشرعيّة مع القطع بأنّه لا يمكن إلاّ عند تحقّق المقتضي لوجوده وانتفاء المانع عن وجوده ، من المضحكات الّتي لا ينبغي التفوّه به. ولا يتفاوت الحال في ذلك بين كون المستصحب أمرا خارجيّا أو حكما شرعيّا ، ولا يجدي في ظنّ استمرار الحكم الشرعي في آن الشكّ في بقائه ملاحظة استمرار مطلق الممكنات ، ولا ملاحظة استمرار مطلق أحكام الموالي ، ولا ملاحظة استمرار سائر الأحكام الشرعيّة ما لم يظنّ تحقّق المقتضي لوجوده أو عدم تحقّق رافعه أو عدم رافعيّة الأمر المتحقّق المشكوك في رافعيّته.
والمفروض أنّ الظنّ بهذه الامور ممّا لا موجب له إلاّ توهّم غلبة تحقّق المقتضي
__________________
(١) القوانين ٢ : ٥٧.