وانتفاء المانع في الممكنات القارّة الباقية المستمرّة وقد عرفت حالها.
وبقي من حجج المثبتين للاستصحاب وجهان آخران :
أحدهما : أنّه لو لا كونه حجّة لم يستقم استفادة الأحكام الشرعيّة من الأدلّة اللفظيّة ، لتوقّفها على أصالة عدم القرينة ، وأصالة عدم المعارض ، وأصالة عدم المخصّص وعدم المقيّد وعدم الناسخ ، وقد تقدّم في مقدّمات المسألة ما يضعّفه من أنّ الاصول اللفظيّة ليست من باب الاستصحاب ، بل هي قواعد مخصوصة مختصّة بباب الألفاظ المقرّرة لتشخيص المرادات ، المأخوذة من العرف الكاشف عن ترخيص الواضع ، ومرجعها إلى عدم اعتناء أهل العرف في العمل بالحقيقة والدليل والعامّ والمطلق والنصّ باحتمال وجود القرينة والمعارض والمخصّص والمقيّد والناسخ ، بالبناء على عدم هذه الامور المحتملة وترتيب آثار العدم على موارد احتمالها بترخيص من الواضع.
ولو سلّم كونها من باب الاستصحاب ، فغاية ما لزم من الدليل كونها حجّة ولا يلزم منه حجّيّة مطلق الاستصحاب ، والفارق هو انعقاد الإجماع على العمل عليها وعدم انعقاده في غيرها ، مع أنّ قصارى ما ثبت به حجّيّته في الامور العدميّة المتعلّقة بالألفاظ لا مطلقا.
وثانيهما : أنّه لو لاه لم يتقرّر معجزة ، فانسدّ باب إثبات النبوّات.
وبيان الملازمة : أنّ المعجزة عبارة عن الفعل الخارق للعادة كشقّ القمر وإرجاع الشمس وإنطاق الحصى ونحو ذلك ، فلو لا حصول الظنّ ببقاء الحالة السابقة وهي العادة لم يعلم كون الفعل الصادر من مدّعي النبوّة خارقا لها.
ويرد عليه : أنّ ابتناء تقرّر المعجزة على ظنّ بقاء العادة يستلزم بناء إثبات النبوّات على الظنّ ، لأنّ ظنّ بقاء العادة يستلزم ظنّ كون الفعل المقرون بدعوى النبوّة خارقا لها ، وهو يستلزم الظنّ بنبوّة المدّعي لها ، وأنّه ضروريّ الفساد.
ومع الغضّ عن ذلك يندفع الدليل بمنع الملازمة ، لأنّ بقاء العادة على حالته الأوّلية معلوم لكلّ أحد بضرورة الحسّ والعيان وبداهة الذهن والوجدان ، فيكون الفعل خارقا لها على وجه القطع واليقين ، لأنّ مرجعه إلى إقداره تعالى لمدّعي النبوّة على فعل لم يجر عادته تعالى على إقدار نوع البشر عليه ، فإذا صدر من واحد يقطع بأنّه من إقداره تعالى ، بل المعجزة هو فعل ما لا يكون مقدورا لنوع البشر بحكم العادة ، فإذا صدر من مدّعي النبوّة ما هو من هذا القبيل كشف عن كونه من قدرة القادر على الإطلاق ، وقد أجراه بيده تصديقا له في دعوى النبوّة ، فيعلم كونه نبيّا ، لقبح إظهار المعجزة بيد الكاذب ، وهذا معنى