تعريف الاستصحاب بقوله : « الشيء الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه (١) ». وفي معناه ما عرفت في عبارة بعض الأعلام من قوله : « ولم يحصل الظنّ بطروّ عارض يرفعه (٢) » فإنّ قضيّة ذلك أنّه لا استصحاب أو أنّه لا يعتبر مع اتّفاق الظنّ الشخصي الغير المعتبر بخلاف الحالة السابقة.
إلاّ أن يقال : إنّ المراد بالظنّ النوعي هنا ما لا يكون الظنّ الشخصي شرطا ، لا ما لا يكون الظنّ الشخصي بالخلاف مانعا.
ويدفعه : ما سمعت من عمل العلماء على الاستصحاب مع كون المستصحب موهوما أيضا.
ومع الغضّ عن جميع ذلك فيضعف الاستناد إلى الغلبة بعدم نهوضها مؤثّرة في ظنّ البقاء.
وبعبارة اخرى : أنّ الثابتة منها غير منتجة والمنتجة منها غير ثابتة.
وتوضيحه : أنّ قاعدة الإلحاق والاستقراء في كلام أهل الاستدلال نوع من الدليل يعبّر عنه تارة بالاستقراء واخرى بقاعدة الإلحاق ، وهما لا يتغايران إلاّ باعتبار الحيثيّة ، فمن حيث إنّه يحرز به كبرى كلّيّة يقال له : الاستقراء ، ومن حيث إنّه يستنتج منه حال مورد الشكّ يقال له : قاعدة الإلحاق. ولذا ذكرنا في غير موضع أنّ الاستقراء الذّي يتمسّك به لإلحاق مورد الشكّ بمورد الغالب ينحلّ إلى حجّتين : إحداهما الاستقراء المنطقي وهو تصفّح الجزئيّات لينتقل من حالها إلى حال الكلّي الصادق عليها وعلى المشكوك فيه جنسا كان أو نوعا أو صنفا ، ومعنى الانتقال من حالها إلى حال الكلّي انكشاف الملازمة قطعا أو ظنّا بين الكلّي والوصف الموجود في الجزئيّات وكون ذلك الوصف من لوازم الكلّي. فيتحصّل منه قضيّة كلّيّة تؤخذ كبرى لوانضمّ إليها صغرى فرضيّة موضوعها الفرد المشكوك الحال لحصل قياس من الشكل الأوّل ، وهذا هو الحجّة الاخرى.
ومن هنا يقال : إنّ الاستدلال بالاستقراء لغرض الإلحاق لا يتمّ إلاّ بامور ثلاث :المستقرأ له ليتحصّل منه صغرى هذا القياس.
والمستقرأ فيه وهو الأفراد الغالبة الّتي وجدت على وصف ليحرز به الكبرى الكلّيّة.
والجامع بينهما الصادق عليهما ليتكرّر به الأوسط ويتعدّى الأكبر منه إلى الأصغر وهو المستقرأ له.
ويتّضح هذه المراتب كلّها بملاحظة الفرد المشكوك فيه من الحبشي بعد تصفّح جزئيّاته ووجدان الغالب منها على وصف السواد ، فينتظم القياس هكذا : « هذا حبشي ، وكلّ
__________________
(١) انظر شرح مختصر الاصول ٢ : ٤٥٤.
(٢) القوانين ٢ : ٥٧.