مسبّبا عن الشكّ في رافعيّة الحادث كالمذي للمتطهّر والرطوبة المردّدة بين الماء والبول إذا أصابت الثوب ، فإن صحّ ظنّ بقاء الطهارة في استصحابها تخلّف الشكّ فيها عن سببها وهو الشكّ في الحادث ، إلاّ أن يدّعى استلزامه الظنّ بعدم الناقضيّة في الأوّل والظنّ بالمائيّة في الثاني.
ويزيّفه ـ مع أنّه ممّا يكذّبه الوجدان ـ أنّه يوجب محذورا آخر في نحو اشتباه القبلة بين جهتين إذا صلّى إلى إحداهما الموجب للشكّ في بقاء الاشتغال ، فإنّ استصحابه يقتضي وجوب الإتيان بها إلى الجهة الباقية ويوجب الظنّ بكونها هي القبلة ، فيلزم الاكتفاء بها في الصلاة الاخرى كالعصر أو العشاء من دون تكرار لهما ، لكفاية ظنّ القبلة لمن تعذّر عليه العلم بها ، وهذا أيضا ضروريّ الفساد.
ورابعا : أنّ الاستصحاب الّذي نجده بأيدي العلماء يتمسّكون به في جميع أبواب الفقه من دون مراعاة ظنّ البقاء ، بل نراهم يتمسّكون به في مقام كان المستصحب مظنونا ، وفيما كان مشكوكا ، وفيما كان موهوما بكون خلافه مظنونا بظنّ غير معتبر ، كما في حكمهم ببقاء الغائب وترتيبهم أحكام الحياة عليه مع ظنّهم بموته من خبر فاسق أو فاسقين ونحوه.
وأقوى ما يفصح عن ذلك أنّ الشهيد قدسسره في القواعد عقد بابا لتعارض الأصل والظاهر ، وصار إلى تقديم الأصل على الظاهر مطلقا إلاّ في مواضع نادرة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، ولا يعقل مقابلة الأصل للظاهر إلاّ مع كون المستصحب موهوما.
وممّا يشهد به أيضا إطباقهم على تقديم قول المنكر في باب الدعاوي مطلقا مع كون الظاهر كثيرا مّا في جانب المدّعي. وإطلاقهم فيمن تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث أو تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة بالبناء في الأوّل على الطهارة وفي الثاني على الحدث من دون تقييد له بظنّ البقاء ، وعدم إعلامهم للمقلّدين باشتراطه في البناء على الحالة السابقة ، وكذا فيمن تيقّن طهارة ثوبه أو نجاسته. فهذا كلّه آية عدم إناطة الاستصحاب بظنّ بقاء الحالة السابقة.
لا يقال : هذا كلّه إنّما يتوجّه على تقدير اعتبار الظنّ الشخصي لا على الاكتفاء بالظنّ النوعي ، فيؤول الأمر إلى دعوى أنّ الغلبة بنوعها ولو خلّي وطبعها تفيد الظنّ بالبقاء وإن لم تفده في بعض الموارد لمنع مانع.
لأنّه ممّا يأباه ضابط الغلبة في مواردها من كون المدار في حجّيتها ـ إن قلنا بها ـ على الظنّ الشخصي بلحوق مورد الشكّ بمورد الغالب ، ولأنّ الظنّ النوعي قد يجامع الظنّ الشخصي الغير المعتبر بالخلاف ، وهو لا يلائم قيد « لم يظنّ عدمه » الّذي أخذه العضدي في