المشكوك دليله هو الوجوب فلا خلاف ولا إشكال في انتفائه حتّى يظهر دليله (١) » إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.
الثالث : الإجماع العملي المعبّر عنه بالسيرة الكاشفة عن رضا المعصوم عليهالسلام ، فإنّ سيرة المسلمين في جميع الأعصار والأمصار على البناء على البراءة فيما يحتمل وجوبه ممّا لم يرد بوجوبه دليل ، وعدم الالتزام بالاحتياط لمجرّد الاحتمال.
الرابع : الإجماع الّذي يحصل بواسطة اندراج المسألة المجمع عليها في أصل كلّي مأخوذ من العقل والنقل مع عدم خفائه ، كما في تكليف المؤمن الغير المتمكّن من القيام في الصلاة ، فيقال : إنّ تكليفه بالقيام تكليف بما لا يطاق وهو قبيح عقلا ، واستقلال العقل بقبحه غير خفيّ على أحد من العلماء ، فهم مجمعون على عدم وجوبه ، فيقال هاهنا أيضا : إنّهم مجمعون على الرجوع إلى البراءة الأصليّة في الشبهات الحكميّة ممّا لا نصّ فيه ، لاستقلال العقل بقبح الخطاب بلا بيان ، وقبح العقاب بلا إقامة البرهان وهذا طريق حسن في تحصيل الإجماع لو لا مناقشة أنّ هذا الأصل الكلّي على تقدير وجوده ممّا يغني عن التمسّك بالإجماع فلا حاجة إلى تكلّف تحصيله بالنظر فيه.
وربّما يشكل الحال في التمسّك بجميع وجوهه من جهة وجود الخلاف في المسألة ، كما يظهر من محكيّ المحقّق في المعارج « العمل بالاحتياط غير لازم ، وصار آخرون إلى وجوبه ، وقال آخرون : مع اشتغال الذمّة يكون العمل بالاحتياط واجبا ومع عدمه لا يجب (٢) » بل يظهر منه المخالفة في الجملة في محكيّه عن المعتبر فإنّه مع اختياره في المعارج حجّيّة أصل البراءة مطلقا خصّها في المعتبر بما يعمّ به البلوى.
وممّن يظهر منه المخالفة في الجملة بل مطلقا بالنسبة إلى أزمنة الغيبة بل غيرها ممّا بعد انقطاع الوحي المحدّث الاستر آبادي في فوائده المدنيّة (٣) ، حيث خصّ جواز التمسّك بأصل البراءة بما قبل إكمال الدين دون ما بعده ، فأوجب التوقّف مطلقا والاحتياط في الجملة ، استنادا إلى الأخبار الآمرة بهما ، واستشهد لإكمال الدين بالأخبار المتواترة القاضية بورود خطاب قطعي في كلّ واقعة يحتاج إليها ، وأنّ كلّ ما جاء به نبيّنا فهو مخزون عند العترة الطاهرة عليهمالسلام. وحينئذ فما تقدّم من نقل الإجماع تارة ونفي الخلاف اخرى عن
__________________
(١) الدرر النجفيّة : ٢٥.
(٢) المعارج : ٢١٦.
(٣) الفوائد المدنيّة : ١٣٨ ـ ١٣٩.