الاحتياط ، ولا ينافيه ما يتّفق أحيانا من عملهم بموجبه مراعاة لرجحانه ، فإنّه غير الالتزام بالعمل به ، والمراد من الإجماع ما ينفي الثاني لا الأوّل.
نعم ربّما يذكر الاحتياط في تضاعيف أبواب الفقه للإشارة إلى وجه احتمال الوجوب فيما ذكر له وجهان الوجوب وعدمه من غير ترجيح ، أو للتنبيه على الأصل الموجود في المسألة عند الشروع في الاستدلال على ما هو ديدنهم من الإشارة إلى أصل المسألة من البراءة أو الاحتياط كلّ في مورده ، أو لتأييد دليل المسألة به أو غير ذلك. بل المعروف موافقة الاخباريّين للمجتهدين في الرجوع إلى البراءة الأصليّة في الشبهة الوجوبيّة كما نصّ عليه جماعة.
بل ربّما يظهر من الصدوق في اعتقاداته كونه من دين الإماميّة حيث قال : « اعتقادنا أنّ الأشياء على الإباحة حتّى يرد النهي (١) فإنّ المعهود من ديدنه أنّه حيث عبّر بهذا اللفظ يريد به اعتقاد معاشر الإماميّة. ومعقد ذلك وإن كانت الشبهة التحريميّة إلاّ أنّ حكمه يجري في الشبهة الوجوبيّة أيضا بطريق الأولويّة ، لعدم الخلاف فيها أو ضعفه.
الثاني : الإجماعات المنقولة في كلام جماعة ، ونفي الخلاف عن العمل بالبراءة الأصليّة في الشبهة الوجوبيّة في كلام آخرين ، فإنّها بكثرتها ربّما تعطي القطع بكون المسألة إجماعيّة.
ومن جملة ذلك عبارة بعض الأعلام (٢) الظاهرة بل الصريحة في ذلك.
ومنه ما في المحكيّ عن المحدّث الحرّ العاملي في باب القضاء من الوسائل (٣) من نفي الخلاف عن نفي الوجوب عند الشكّ فيه ، إلاّ مع العلم باشتغال الذمّة بعبادة معيّنة مشكوكة بين فردين كالقصر والإتمام ، والظهر والجمعة ، وجزاء صيد واحد أو إثنين ونحو ذلك ، فإنّه يجب الجمع بينهما لتحريم تركهما معا.
ومنه أيضا ما في محكيّ المحدّث البحراني في مقدّمات حدائقه (٤) من نفي الخلاف عن صحّة الاستدلال بأصل البراءة في نفي وجوب فعل وجودي حتّى يقوم دليل على الوجوب ، ونحوه في محكيّه عن كتابه الموسوم بالدرر النجفيّة قائلا : « إن كان الحكم
__________________
(١) الاعتقادات ـ للشيخ الصدوق ـ المطبوع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ٥ : ١١٤.
(٢) القوانين. ٢ : ١٦.
(٣) الوسائل ١٨ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ذيل الحديث ٢٨.
(٤) الحدائق : ١ : ٤٣.