ولا يقدح فيه الخلاف الّذي نقله الراجع إلى كبرى هذا القياس ، لأنّه خلاف في تماميّة هذا الدليل باعتبار الشبهة في صدق كبراه أو كذبها. فمن يدّعي صحّة الاستدلال به يدّعيه بزعم كون كبراه صادقة ، ومن ينفيها يدّعي كذبها على معنى عدم إفادة كون الشيء الفلاني كان ولم يظنّ عدمه الظنّ بالبقاء ، ولذا علّل قول الفريقين بإفادته ظنّ البقاء وعدم إفادته إيّاه. فحمل هذا التعريف بقرينة نقل الخلاف على كونه تعريفا للاستصحاب بمضمون الصغرى ليس على ما ينبغي ، كما أنّ حمل كلام بعض الأعلام على كونه وهما من هذا التعريف أيضا لعلّه ليس على ما ينبغي ، فليتدبّر.
وعلى تعريفه بمجموع المقدّمتين ينطبق ما عرّفه الفاضل التوني في الوافية من « أنّه التمسّك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت وفي غير تلك الحال ، فيقال : إنّ الأمر الفلاني قد كان ولم يعلم عدمه ، وكلّما كان كذلك فهو باق (١) ».
وربّما وجّه تعريف بعض الأعلام بجعل الكون من « كان » التامّة بمعنى الثبوت مضافا إلى فاعله مع كون « في الآن اللاحق » متعلّقا به ـ ليكون المعنى ثبوت الحكم الموصوف بالوصفين في الآن اللاحق ـ لا بمشكوك البقاء ، لأنّ الشكّ في البقاء يلزمه كونه في الآن اللاحق ، فيدلّ عليه بالالتزام ولا حاجة معه إلى التصريح به في التعريف.
وفيه : مع ما فيه من التكلّف الواضح ، أوّلا : أنّه لا يوافق ما أفاده قدسّ سرّه في أوّل كتابه (٢) عند بيان موضوع اصول الفقه من أنّ الاستصحاب إن اخذ من العقل كان داخلا في دليل العقل ، وإن اخذ من الأخبار كان داخلا في السنّة. وهذا على كلا التقديرين يأبى ما ذكر في التوجيه.
أمّا التقدير الأوّل فلأنّ دليل العقل حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعي ، وهو هنا حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان لا ثبوت ما كان في الآن اللاحق.
وأمّا التقدير الثاني فلأنّ المأخوذ من الأخبار وجوب الحكم ببقاء ما كان على ما كان لا ثبوته في الآن اللاحق.
وثانيا : أنّ التوجيه المذكور يوجب البينونة فيما بين المعرّف والمعرّف ، لأنّ الثبوت في الآن اللاحق حال من أحوال الحكم الّذي هو المستصحب ووصف فيه ، والاستصحاب بحسب الاصطلاح على ما يستفاد من كلمات القوم واستعمالاتهم من مقولة الفعل ، ولذا يعرّف تارة بالإبقاء ، واخرى بالحكم بالبقاء ، وثالثة بالإتيان ، ورابعة بالتمسّك بثبوت ما ثبت ... إلى آخره.
__________________
(١) الوافية : ٢٠٠.
(٢) القوانين ١ : ٩.