ومحلّه أن يثبت حكم في وقت ثمّ يجيء وقت آخر ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم ، فهل يحكم ببقائه على ما كان وهو الاستصحاب ، أم يفتقر الحكم به في الوقت الثاني إلى دليل*؟
______________________________
ببقائه على ما كان وهو الاستصحاب » بناء على عود الضمير إلى مصدر الفعل المتقدّم وهو الحكم ببقائه على ما كان على حدّ قوله تعالى : ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى )(١).
* ولقد أجاد رحمهالله في جعله البيان المذكور تعريفا لمحلّ الاستصحاب ومورده ، فإنّه أصل يجري في نحو هذا المورد لا أنّه هو نفس ذلك الأصل.
والعجب عن بعض الأعلام (٢) أنّه كيف غفل عن هذا المعنى مع وضوحه فعرّف الاستصحاب : « بأنّه كون حكم أو وصف يقينيّ الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق » بناء على ظهور الكون في الناقصة ، فيكون الحكم والوصف المجرور بالإضافة رفعا في محلّ الاسم ، ويقينيّ الحصول نصبا على الخبريّة ، وكذا مشكوك البقاء على أنّه خبر بعد خبر بإسقاط العاطف على حدّ « هذا حلو حامض » ، مع احتمال كون الخبر هو مشكوك البقاء وكون يقينيّ الحصول جرّا على أنّه نعت للاسم.
وكيف كان فيرد عليه : أنّه تعريف لمحلّ الاستصحاب ومورده لا أنّه نفسه ، ولعلّه كما قيل وهم نشأ من كلام العضدي حيث إنّه قال : « معنى استصحاب الحال أنّ الحكم الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه ، وكلّما هو كذلك فهو مظنون البقاء (٣) وقد اختلف في صحّة الاستدلال به لإفادته ظنّ البقاء وعدمها لعدم إفادته إيّاه ، فأخذ التعريف المذكور عن صغرى هذا القياس أخذا بحاصل مضمون القضيّة بزعم أنّه الاستصحاب في مصطلحهم ، لا مضمون الكبرى كما فهمه المصنّف حيث فسّره بما ينطبق على الكبرى ، لمكان الاختلاف الواقع في الكبرى على ما قرّره العضدي ، وهو خلاف في الحكم الّذي موضوعه الاستصحاب ولا يكون إلاّ الصغرى.
وفيه : ما لا يخفى ، فإنّ ظاهر العضدي أنّه عرّف الاستصحاب بنفس القياس المؤلّف من المقدّمتين ، وإنّما دعاه إلى ذلك ما آنسه في عرفهم من إطلاق الدليل على الاستصحاب وعدّه من الأدلّة العقليّة. ولمّا كان الدليل عندهم عبارة عمّا يتألّف من مقدّمتين فعرّفه بما ذكره.
__________________
(١) المائدة : ٨.
(٢) القوانين ٢ : ٥٣.
(٣) شرح مختصر الاصول ٢ : ٤٥٣.