كون الأكثر مأمورا به إلاّ على القول بالاصول المثبتة ، فإن صلح ذلك لإثبات كون الأكثر مأمورا به فلابدّ وأن يصلح أصل البراءة أيضا لإثبات كون الأقلّ مأمورا ، به وإن لم يصلح أصل البراءة لإثبات ذلك بناء على بطلان القول بالاصول المثبتة فلابدّ وأن لا يصلح أصل الاشتغال أيضا لذلك.
فلو قيل : إنّ أصل الاشتغال وإن كان لا ينتج كون الأكثر بالخصوص مأمورا به إلاّ أنّه طريق بسلوكه يحصل الفراغ اليقيني ، لأنّ الأكثر المأتيّ به إمّا أن يكون هو المأمور به في الواقع أو أنّ المأمور به الواقعي مندرج فيه.
وأيّا ما كان فيحصل به فراغ الذمّة ، بخلاف أصل البراءة فإنّه طريق لا يحصل بسلوكه الفراغ اليقيني عن الواقع.
لقلنا : إنّ كلاّ من الأصلين في مجراه طريق سلوكه يؤثّر في فراغ الذمّة ، إلاّ أنّ أصل البراءة يوجب الفراغ الشرعي وأصل الاشتغال يوجب الفراغ اليقيني.
ودعوى أنّ أصل البراءة لا يوجب الفراغ الشرعي أيضا حيث لا ينتج كون الأقلّ هو المأمور به.
يدفعها : أنّه إنّما لا ينتج كونه المأمور به الواقعي ، ولا حاجة إلى إحرازه في تحصيل الفراغ الشرعي وإلاّ لم يكن شرعيّا ، بل يكفي كونه المأمور به الظاهري الشرعي ، لأنّه ينفي وجوب الزائد في الظاهر ، فينحصر المأمور به في الظاهر في الأقلّ ، والإتيان به حينئذ تعويلا على أصل البراءة تحصيل للفراغ الشرعي ، ولا يجب معه مراعاة الفراغ اليقيني لأنّ الشرعي قائم مقام الواقعي. ومقايسة ما نحن فيه على الشبهة المصداقيّة والمثال المذكور فيها باطلة ، لوجود الفارق بين المقامين ، وهو أنّ المأمور به ثمّة عنوان منضبط واقعي مردّد بين حصوله بالأقلّ أو عدم حصوله إلاّ بالأكثر وهو صوم شهر رجب.
ولا ريب أنّ الاشتغال اليقيني بالعنوان المذكور يقتضي إحرازه تحصيلا للفراغ ، ولا يتأتّى ذلك إلاّ بمراعاة صوم اليوم المشكوك فيه أيضا بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ الأمر وارد هنا بمركّب مردّد بين كون أجزائه تسعة مثلا أو عشرة بحيث لو كانت تسعة لصدق عليها اسم ذلك المركّب من غير أن يكون الشكّ في الزائد موجبا للشكّ في صدق ذلك الاسم ولا في صدق عنوان آخر هو المأمور به ، كما في منزوحات البئر ، وكالصلاة إذا شكّ في جزئيّة السورة بعد ثبوت جزئيّة النيّة والتكبيرة وقراءة الفاتحة والركوع والسجود