العقاب في صورة احتمال المخالفة احتمال للضرر الاخروي ، وإذا استقلّ العقل بنفي العقاب لقبحه عنده فيما نحن فيه فلا يحتمل معه ضرر اخروي ليجب دفعه ، فلا مجرى لقاعدة دفع الضرر حينئذ ، وليس في بناء العقلاء في نحو هذا الفرض ما ينافي ذلك.
وإن شئت لاحظ أمر المولى عبده بمركّب ذي أجزاء ، حيث إنّ العبد إذا شكّ في جزئيّة شيء ليس ملتزما بمراعاة الجزء المشكوك فيه إذا عجز عن العلم بها ، وإذا اقتصر على القدر المعلوم من أجزاء المركّب وصادف مخالفة الواقع لم يكن مذموما ولا مستحقّا للمؤاخذة ولم يصحّ للمولى أيضا مؤاخذته.
فإن قلت : إنّ الأوامر الشرعيّة مع اشتمالها على جهة المولويّة المقتضية للثواب والعقاب على الموافقة والمخالفة مشتملة على جهة الإرشاد أيضا ، بناء على ما عليه العدليّة من كونها تابعة للمصالح النفس الأمريّة الكامنة في الفعل المأمور به ، ولذا يقال : إنّها ذو وجهتين ، فمن حيث اشتمالها على جهة المولويّة وإن لم يكن قاعدة وجوب دفع الضرر في صورة الشكّ في الجزء جارية لدفع احتمال العقاب على المخالفة ، لانتفاء احتماله بواسطة حكم العقل بقبحه ، إلاّ أنّه لا يلزم من ذلك عدم جريانها لدفع احتمال الضرر الدنيوي المترتّب على ترك المأمور به باعتبار اشتماله على مصلحة في الفعل ومفسدة في الترك ، والاقتصار على الأقلّ مع الشكّ في الجزئيّة يوجب احتمال هذا الضرر فيجب دفعه ، على ما ذكرت من جريان القاعدة حيث احتمل الضرر الدنيوي.
قلت أوّلا : إنّ ما يترتّب على ترك المأمور به إنّما هو فوت المصلحة لا وجود المفسدة ، واحتمال فوت المصلحة كاحتمال فوت المنفعة ليس في بناء العقلاء على حدّ احتمال الضرر ليجب دفعه كما هو واضح.
وثانيا : على فرض تسليم احتمال المفسدة في الترك الراجع إلى احتمال الضرر الدنيوي فهو احتمال ضرر لا يعتني بشأنه العقلاء ، ولا يوجبون دفعه ليفرّع عليه وجوب الاحتياط بمراعاة الجزء المشكوك فيه كما لا يخفى.
وثالثا : إنّ الإتيان بالأقلّ بداعي الإطاعة وامتثال الأمر مع التعويل على الأصل الشرعي المعوّل عليه في نفي الزائد ، يتضمّن من المصلحة ما يتدارك به ما فات من مصلحة الفعل أو ما لزم من مفسدة الترك.
فإن قلت : إنّ الجهة الباعثة على إيجاب الواجبات هي اللطف ، ولذا اشتهر بين العدليّة أنّ