نعم ربّما شاع في كلمات جمع التمسّك بطريقة الاحتياط ، إلاّ أنّه لم يظهر منهم كونه مذهبا لهم في المسألة الاصوليّة.
وكيف كان فمرجع البحث هنا إلى أنّ المرجع في نحو هذه الصورة هل هو الاحتياط أو البراءة؟ ويتكلّم في ذلك تارة من جهة العقل ، واخرى من جهة النقل.
أمّا الجهة الاولى : فقد يتخيّل أنّ الأصل العقلي من جهة قاعدة الاشتغال يقضي بوجوب الاحتياط ، فإنّ اشتغال الذمّة بالمكلّف به الواقعي المردّد بين الأقلّ والأكثر ثابت والعلم به حاصل يقينا ، وهو يقتضي العلم بالبراءة ، ولا يحصل إلاّ بمراعاة الأكثر والإتيان به الّذي لا يتمّ إلاّ بالإتيان بالجزء المشكوك فيه ، لأنّه القدر المتيقّن ممّا يحصل به الامتثال ، فيجب.
ويزيّفه : أنّ القدر المتيقّن ممّا يحصل به الامتثال إنّما يؤثّر في وجوب الاحتياط حيث لم يكن هناك قدر متيقّن ممّا ثبت فيه الاشتغال كما في المتبائنين ، ووجود القدر المتيقّن ممّا ثبت فيه الاشتغال فيما نحن فيه واضح وهو الأقلّ ، ضرورة اشتغال الذمّة به في الجملة ولو باعتبار كونه بعضا من المأمور به ، وهو ما دام موجودا مانع عن تأثير القدر المتيقّن ممّا يحصل به الامتثال في وجوب الاحتياط ، لرجوع الشكّ معه إلى اشتغال الذمّة بالجزء المشكوك فيه أيضا ، وأصل البراءة ينفيه ، ومرجعه إلى نفي العقاب المحتمل ترتّبه على مخالفة الواقع على تقدير كونه جزءا للمأمور به في الواقع ، ومعه لا مجرى لقاعدة الاشتغال ، لأنّ مقتضاه وجوب تحصيل العلم بالبراءة وهو أعمّ من العلم الشرعي ، وأصل البراءة النافي للعقاب علم شرعي ، لقضائه بجواز الاقتصار في امتثال الأمر على الأقلّ.
فإن قلت : إنّ الأصل العقلي المقتضي لوجوب الاحتياط ربّما أمكن إثباته من جهة قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل بالنظر إلى احتمال العقاب ، فإنّ العقاب على مخالفة الواقع على تقدير الجزئيّة في الواقع من فعله سبحانه ، وهو بالنظر إليه تعالى ممكن بالذات ، ومن حكم الممكن بالذات أن يصحّ صدوره من الفاعل القادر المختار ، وهذا احتمال للعقاب في الاقتصار على الأقلّ ، لجواز مصادفته مخالفة الواقع باعتبار اتّفاق ترك المأمور به الواقعي ، وهو احتمال للضرر الاخروي فيجب دفعه ، ولا يتأتّى إلاّ بمراعاة الأكثر.
قلت : كون الممكن بالذات من حقّه أن يصحّ صدوره من الفاعل المختار على إطلاقه ممنوع ، بل إنّما يكون كذلك ما لم يعرضه سبب الامتناع ، فإنّ الظلم مثلا بالنظر إلى ذاته تعالى ممكن بالذات ولا يصحّ وقوعه منه لما عرضه من سبب الامتناع وهو القبح العقلي ،