الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ ... )(١) تمسّك به الشهيد الثاني في بعض تحقيقاته على ما حكي ، وبعده المحقّق البهبهاني (٢) في بعض رسائله ، وبعدهما شيخنا قدسسره (٣).
ووجه الاستدلال : أنّه دلّ على أنّ ما ليس بإذن من الله من إسناد الحكم إليه فهو افتراء عليه ، وذلك لأنّه ذمّهم فيما حرّموه على أنفسهم من بعض الرزق ، وحصر الأمر فيه في كونه من جهة إذنه تعالى فيه ، أو من جهة الافتراء عليه ، فدلّت الآية على أنّ الواقعة فيما يرجع إليه ويسند إليه من الأحكام لا تخلو عن أحد الأمرين فإذا انتفى الإذن. ـ أمّا في مورد الآية فبحكم الاستفهام الإنكاري الّذي هو هنا للمبالغة في الإنكار والتنبيه على شدّة الذمّ والتشنيع.
وأمّا في محلّ الاستدلال ، فبحكم الفرض من عدم الدليل على وقوع التعبّد بالظنّ ـ تعيّن الافتراء ، وهو قبيح عقلا ومحرّم شرعا.
ولا يرد عليه : كونه في اصول الدين ، لاختصاص موردها بتحريم بعض الرزق الّذي هو من الفروع ، ولا أنّ العامل بالظنّ إنّما يعمل به بعد إقامة الدليل على جوازه فهو في عمله به يدّعي الإذن فيه من الله هذا.
ولكنّ الإنصاف عدم دلالة الآية على حكم العمل بالظنّ لوضوح عدم صدق الافتراء عليه.
فإنّ الافتراء على الله عبارة عن إسناد شيء إليه على خلاف الواقع مع العلم بأنّه خلاف الواقع ، ويرشد إليه ظاهر صدر الآية وذيلها أيضا ، والعمل بالظنّ إسناد للحكم المظنون إليه تعالى بظنّ المطابقة ، وبينه وبين الافتراء بالمعنى المذكور بون بعيد.
ومنها : الآيات الواردة في ذمّ متّبعي الظنّ ، مثل قوله سبحانه في سورة يونس ( قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ... )(٤).
وقوله أيضا في سورة النجم ( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ
__________________
(١) سورة يونس : آية ٥٩ ـ ٦٠.
(٢) الرسائل الاصوليّة : ١١.
(٣) فرائد الاصول ١ : ١٢٥.
(٤) سورة يونس : آية ٣٤ ، ٣٥ ، ٣٦.