وفي الثالث بترك الأوّل وإتيان الثاني.
أمّا القسم الأوّل فالظاهر عدم الإشكال في عدم جواز المخالفة فيه مطلقا ، لكونه مخالفة للخطاب التفصيلي المفروض ، وهو معصية للشارع تعالى والمعصية قبيحة عقلا ، فاعلها مستحقّ لذمّ العقلاء ومحرّمة شرعا.
وتوهّم خروج الفعلين معا عن المعصية بأصل البراءة النافي للتكليف الفعلي بهما ، يدفعه : منع جريان الأصل مع العلم الإجمالي المفروض الّذي هو بالنسبة إلى أصل الخطاب الشرعي علم تفصيلي ، وتمام الكلام في تحقيق ذلك في باب أصل البراءة.
وأمّا القسم الثاني فيحتمل فيه وجوه :
الأوّل : عدم جواز المخالفة مطلقا ، لأنّه مخالفة للخطاب المردّد ، وهو معصية لله تعالى فتكون قبيحة وفاعلها مستحقّا للذمّ.
الثاني : جوازها مطلقا ، لأنّ الأمر المردّد لم يتعلّق به خطاب في شيء من الخطابات.
الثالث : الفرق بين المتجانسين فلا يجوز ، لأنّه بترك الفعلين معا يصدق عليه أنّه ترك واجبا ، كما أنّه بارتكاب الفعلين معا يصدق أنّه فعل محرّما ، وهذا آية المعصية القبيحة ، والمتخالفين فيجوز ، لأنّه لا يصدق بترك الأوّل أنّه ترك واجبا ولا بفعل الثاني أنّه فعل محرّما.
والرابع : التفصيل بين الشبهة في الموضوع والشبهة في الحكم ، فيجوز في الأوّل لأنّ المخالفة القطعيّة في الشبهات الموضوعيّة كثيرة بل في الكثرة فوق حدّ الإحصاء ، بخلاف الشبهات الحكميّة ، كما يعلم ذلك بمراجعة كلماتهم في مباحث الإجماع وعدم القول بالفصل نراهم لا يجوّزون ثمّة خرق الإجماع المركّب ولا إحداث القول بالفصل.
وأوجه الوجوه وأقواها الوجه الأوّل لوضوح ضعف البواقي ، إذ لا يقول أحد بتعلّق الخطاب بالأمر المردّد ، والخطاب مردّد في نظرنا لا بحسب الواقع ولا ضير فيه ، وصدق أنّه عصى الله بترك الأوّل وفعل الثاني ، وكثرة وقوع المخالفة القطعيّة في الشبهات الموضوعيّة غير معلومة ، فضلا عن كونها فوق حدّ الإحصاء وهو فيما وقع أحيانا مؤوّل.
ثمّ إنّ هذه الوجوه ، المحتملة إنّما هو في مخالفة علم إجمالي لم يتولّد منه علم تفصيلي ، وقد يتولّد منه علم تفصيلي ـ على معنى أن يتولّد من الواقعتين المفروض بينهما العلم الإجمالي واقعة ثالثة معلوم حكمها بالتفصيل ـ مثل ما لو علم بخروج ثوبه عن الطهارة أو بخروج ماء وضوئه عن الإطلاق ، فتوضّأ به ولبس الثوب وصلّى بهما عملا