وأيّهما غير منتقضة مع اليقين بانتقاض إحداهما وعدم انتقاض [ الاخرى (١)] ، فبعد منع جريان الأصلين فإمّا أن يبنى على الإباحة عملا بأصل الإباحة أو يبنى على التخيير بين الوجوب والحرمة بدوا ، أو يبنى على الحرمة تغليبا لها على الوجوب.
والأوّل باطل لأنّه يؤدّي إلى المخالفة العمليّة للحكم الواقعي المعلوم بالإجمال ، ولظهور الاتّفاق على عدم الرجوع إليها ، فتعيّن أحد الوجهين الآخرين.
وأيّا مّا كان فهو التزام بالحكم الظاهري ، وقد ثبت وجوبه بالدليل ، وهو ما دلّ على أحد هذين الوجهين.
وبملاحظة ما بيّناه من ظهور الإطلاق أمكن صرف إطلاق كلامهم ـ في مسألة ما اختلفت الامّة على قولين لا دليل على أحدهما حسبما ادّعيناه سابقا ـ عن مسألة دوران الأمر بين المحذورين إلى مسألة دوران المكلّف به بين المتبائنين كالظهر والجمعة والقصر والإتمام ، وما أشبه ذلك إن تحمله بعض عباراتهم ، مثل التمسّك بمقتضى العقل من حظر ، أو إباحة على القول بإسقاط القولين ، حملا له على إرادة الرجوع إلى مطلق الأصل المناسب بحيث يشمل أصل الاشتغال وأصل البراءة ، بناء على أنّ كلاّ منهما في مجراه حكم عقلي.
وحينئذ يمكن دفع ردّ الشيخ (٢) القول المذكور « بأنّه يوجب طرح قول الإمام » بمنع الملازمة ، لأنّه إنّما يلزم ذلك لو كان المراد من الأصل المرجوع إليه أصل البراءة ، بالمعنى النافي للتكليف الفعلي بكلّ من الفعلين لمجرّد اشتباه المكلّف به بينهما ـ ليكون نتيجته جواز تركهما معا ، وهذا ليس بلازم لجواز كون الأصل المرجوع إليه أصل الاشتغال ـ تحصيلا ليقين البراءة المقتضي للجمع بينهما ـ وهذا ليس بمخالفة قطعيّة بل موافقة قطعيّة أو أصل البراءة النافي للضيق اللازم من التعيين ليكون مفاده التخيير ، وهذا أيضا ليس بمخالفة قطعيّة بل مخالفة احتماليّة مع موافقة احتماليّة على تقدير جعل التخيير بدويّا ، على أنّ طرح قول الإمام المؤدّي إلى المخالفة القطعيّة مشترك الورود ، بل هو على قول الشيخ من البناء على التخيير أظهر ورودا ، بناء على ما استظهره بعض مشايخنا (٣) من عبارة العدّة من كون مراده التخيير الواقعي وعليه مبنى اعتراض المحقّق في المعارج (٤) عليه : بأنّ في التخيير أيضا إبطالا لقول الإمام إلى آخر ما ذكره.
__________________
(١) في المصدر [ الآخر ].
(٢) العدّة ٢ : ٦٣٦.
(٣) فرائد الاصول : ١ : ٧٩.
(٤) معارج الاصول : ١٣٣.