وجوب الالتزام وعدمه ، فإن اريد به التديّن بأنّ حكم الواقعة في الواقع على حسب ما جاء به النبيّ لا يخلو عن أحد الحكمين ـ بعد القطع بذلك الّذي هو العلم الإجمالي المفروض ـ فلا ينبغي التأمّل ولا الاسترابة في وجوبه.
والأصل في ذلك ما ثبت بالإجماع بل الضرورة ، مع الأخبار المتواترة من وجوب التديّن بما جاء به النبيّ ، وكونه من اصول العقائد ، فإنّ المراد به وجوب التديّن بما جاء به النبيّ على ما جاء به النبيّ ، فإن كان معلوما بالتفصيل وجب التديّن بهذا المعلوم بالتفصيل ، وإن كان معلوما بالإجمال وجب التديّن به على وجه الإجمال.
وإن اريد به التديّن بأحدهما بعنوان كونه حكما ظاهريّا ، فهذا ممّا لا دليل على وجوبه بحيث يكون تركه مخالفة قبيحة عقلا محرّمة شرعا ، بعد إحراز موافقة العمل لما هو في الواقع ولو احتمالا ، حتّى مع اختيار الفعل بناء على فرض كون الوجوب المقابل للحرمة هنا توصليّا تعلّق فيه الغرض بصدور الفعل بأيّ وجه اتفق ، فيكون صدور العمل بمجرّده كافيا في سقوط الأمر ، فإنّ المخالفة العمليّة غير متحقّقة في ذلك من حيث إنّ المكلّف لا يخلو عن أحد الأمرين ـ من فعل ذلك الشيء أو تركه ـ فإن اختار فعله فهو محتمل لموافقة الوجوب ، وإن اختار تركه فهو محتمل لموافقة الحرمة ، غير أنّه لو فعله أو تركه بداعي الإباحة وقصدها عملا بالأصل كان مخالفة للالتزام بوجوبه وحرمته ، حيث لم يلتزم بشيء منهما على أنّه حكم ظاهري ، ولا ضير فيها لمكان عدم الدليل على وجوب هذا الالتزام ، بحيث يكون تركه قبيحا عقلا ، موجبا لاستحقاق المؤاخذة والعقوبة شرعا.
فيندفع بما قرّرناه ما عساه يقال : من أنّ العدول عن كلّ من الوجوب والحرمة بالبناء على البراءة والإباحة ـ كما هو اللازم من الأخذ بالأصل ـ مخالفة للواقع قطعا ، لمكان القطع بأنّ الواقع لا يخلو عن أحدهما ، والمخالفة للواقع ممّا يمنع عنه العقل الضروري ويعدّ عنده معصية.
ووجه الاندفاع : أنّ الّذي يمنعه العقل ولا يجوّزه ويعدّ عنده معصية ، إنّما هو مخالفة الحكم الواقعي من حيث العمل ، بل من حيث الالتزام أيضا.
والذي يلزم فيما نحن فيه من العدول عنهما إنّما هو ترك الالتزام بكلّ منهما بعنوان أنّه حكم ظاهري ، وكونه ممنوعا عند العقل أيضا معصية لديه غير مسلّم.
نعم ربّما يشكل الحال في البناء على الإباحة عملا بالأصل من حيث عدم خلوّه عن مخالفة عمليّة للحكم الظاهري الّذي هو نفس الإباحة ، أو الحكم الواقعي الّذي هو أحد