وليعلم أيضا أنّ مخالفة العلم الإجمالي قد تكون عمليّة وقد تكون التزاميّة.
وضابط الأوّل : أن يعمل المكلّف في محلّ الشبهة عملا مخالفا لكلا طرفي الشبهة استنادا إلى أصل البراءة ، كما لو ترك الصلاة إلى جميع الجهات عند اشتباه القبلة ، أو ترك الظهر والجمعة معا يوم الجمعة ، وكذلك القصر والإتمام في المسير إلى أربعة فراسخ ، أو ارتكب جميع أطراف الشبهة في الشبهة المحصورة ، أو وطئ الزوجتين المحلوف بوطئ إحداهما وترك وطئ الاخرى معا ، أو ترك وطئهما معا.
وضابط الثاني : أن يعمل عملا موافقا لأحد الاحتمالين من غير التزام بأحد الحكمين المردّد فيهما عملا بأصل البراءة ، أو الإباحة في مسألة الشبهة في التكليف الإلزامي المعلوم بالإجمال المردّد بين إيجاب الشيء أو تحريمه ، كالزوجة المردّدة بين تحريم الوطئ وإيجابه بسبب الحلف ، عند الاشتباه في متعلّق الحلف هل هو فعل الوطئ أو تركه؟ إذا اختار الفعل أو الترك على وجه الدوام ، لبنائه على التخيير الاستمراري عملا بالأصل ، فإنّ العمل كائنا ما كان موافق لأحد الاحتمالين ، نظرا إلى أنّ الوجوب يقتضي دوام الفعل والتحريم يقتضي دوام الترك ، فلا مخالفة في اختياره في العمل بعنوان القطع بل هو موافقة احتمالية ، وإنّما المخالفة في الالتزام حيث لم يلتزم بأحد الحكمين من الايجاب والتحريم ولم يتديّن بشيء منهما ، بل التزم بالإباحة الّتي هي مفاد الأصل ، والمشهور في مثل هذه المخالفة كالمخالفة العمليّة هو عدم الجواز ، كما يقتضيه إطلاقهم في مسألة ما لو اختلفت الامّة على قولين لم يكن على أحدهما دليل ، حيث إنّ العلماء اختلفوا في ذلك على قولين :
أحدهما : طرح القولين معا والرجوع إلى الأصل وهو لجماعة (١).
والآخر : التخيير بينهما وهو المشهور (٢) ، وعلّلوه : بأنّه لولاه لزم طرح قول الإمام بعنوان ، وهو مخالفة قطعيّة والمخالفة القطعيّة محرّمة ، وإطلاق هذا التعليل يشمل ما لو كان اختلاف الامّة في تعيين المكلّف به ، كما في مسألة الظهر والجمعة ، أو القصر والإتمام ، أو في تعيين التكليف الإلزامي المردّد بين الإيجاب أو التحريم ، فإنّ المخالفة اللازمة من طرح القولين في الأوّل عمليّة وفي الثاني التزاميّة لا غير.
وتحقيق المقام : أنّ حرمة مخالفة العلم الإجمالي من حيث الالتزام وعدمها مبنيّة على
__________________
(١) العدّة : ٢ / ٦٣٦ والمعارج : ١٣٣ ومعالم الدين : ١٧٩ وقوانين الاصول ١ : ٣٨٣.
(٢) العدّة : ٢ / ٦٣٧.