الوقوع في الخطأ ، لانتفاء العصمة ، ولم يقل أحد بكونه جهة للمنع من الخوض.
فبقي الوجه الثاني الّذي ذكرنا كونه غير بعيد ، وعليه فإن يقصد بخوضه معرفة موضوعات الأحكام فلا يسلّم المنع منه ، إلاّ فيما كان من موضوعات الوجوب في الواجبات كمعرفة القبلة للصلاة ، ومعرفة أوقات الصلوات ، ومعرفة هلال شهر رمضان ونحو ذلك ، أو فيه مع ما كان من موضوع الاستحباب في المستحبّات بالخوض في الأسباب الغير المتعارفة ، وإن قصد به معرفة نفس الأحكام ، على معنى استنباطها بالخوض في الأسباب الغير المتعارفة فالمنع منه مسلّم ، لأنّ أدلّة استنباط الأحكام الشرعيّة غير شاملة له.
وإن اريد الثاني ـ على معنى أنّه حين القطع الحاصل له من الأسباب الغير العادية يمنع فعلا عن العمل به ـ فهو غير معقول ، كما ذكرناه مرارا لإدّائه إلى التناقض المتضمّن لتجويز الكذب على الشارع ، أو اجتماع النقيضين في الذهن والاعتقاد ، ولا يجدي في دفعه ما تكلّفه بعض الفضلاء (١) من تقييد الحكم بعدم اعتبار قطع القطّاع بما « إذا علم القطّاع أو احتمل أن يكون حجّية قطعه مشروطة بعدم كونه قطّاعا » فإنّ الاشتراط والتقييد إنّما يحسن في القطع الموضوعي ، لأنّه يتحمّل من الشروط والقيود كلّما اعتبره جاعل الأحكام المأخوذ في موضوعها صفة القطع.
وأمّا القطع الطريقي فلا يتحمّل حجّيّته شرطا ولا قيدا ، لأنّ القطع من حيث طريقيّته عبارة عن انكشاف الواقع ، والواقع بعد ما انكشف يقتضي كون الآثار آثارا له مطلقا ، ولو دخل حجّيّته الشرط والقيد فهو ينفي كون الآثار آثارا له حيث ينتفي الشرط والقيد ، وهذا تناقض واضح.
ومنه يظهر ما في كلامه الآخر ، فإنّه وجّه الحكم بعدم اعتبار قطع القطّاع ـ بعد ما قيّده بما ذكر ـ « بأنّه يشترط في حجّيّة القطع عدم منع الشارع عنه ، وإن كان العقل أيضا قد يقطع بعدم المنع ، إلاّ أنّه إذا احتمل المنع يحكم بحجّية القطع ظاهرا ما لم يثبت المنع » (٢) فإنّ حجّيّة القطع لا تقبل اشتراط عدم منع الشارع من حيث أنّ نفس القطع لا تقبل منع الشارع فيه للزوم التناقض ، فإنّ عدم ترتيب آثار الواقع على المقطوع به يناقض كون الآثار آثارا له كما هو المفروض.
فإنّ انكشاف كون الخمر حراما بواسطة انكشاف كونه مسكرا ، وانكشاف كون كلّ
__________________
(١) هو صاحب الفصول في الفصول : ٣٤٣.
(٢) الفصول : ٣٤٣.