ومنها : ما ذكروه في مسألة تعارض الناقل مع المقرّر ، فإنّ مرجع ما ذكروه فيها لتقديم أحدهما على الآخر إلى الظنّ بموافقة أحدهما لحكم الله الواقعي ، إلاّ أن يقال : إنّ هذا الظنّ حاصل من نفس الخبر المتصف بكونه مقرّرا أو ناقلا.
ومنها : ما ذكروه في ترجيح أحد الخبرين بعمل أكثر السلف ، معلّلين بأنّ الأكثر يوفّق الصواب بما لا يوفّق له الأقلّ ، وفي ترجيحه بعمل علماء المدينة ، إلاّ أن يقال أيضا : بأنّ ذلك كاشف عن مرجّح داخلي في أحد الخبرين.
وبالجملة فتتبّع كلماتهم يوجب الظنّ القوي ، بل القطع بأنّ بناءهم على الأخذ بكلّ ما يشتمل على ما يوجب أقربيّته إلى الصواب ، سواء كان الأمر راجع إلى نفسه أو لاحتفافه بأمارة أجنبيّة توجب قوّة مضمونها » (١) انتهى.
وفي جميع الكلمات ما لا يخفى ، أمّا ما تقدّم عن المعارج فقد تقدّم أنّ المحقّق في المعارج نقل الترجيح بالقياس ـ تعليلا بحصول الظنّ منه ، فتعيّن العمل بما طابقه ـ عن ذاهب بصيغة التنكير ، ثمّ ذيّله في آخر كلامه بقوله : « وفيه نظر ».
وهذا كلّه يشعر بتمريض هذا المذهب ، فكيف يستظهر اتفاقهم على الترجيح بالظنّ المطلق المفروض عدم حجّيّته.
ومع الغضّ عن ذلك ، فالأقربيّة إلى الواقع المستندة إلى ظنّنا الغير المعتبر لا تنهض مرجّحة إلاّ إذا كانت معتبرة في نظر الشارع ، وأنّه يحتاج إلى دليل يدلّ عليه ، وأيّ دليل عليه مستفاد من كلام هذا الذاهب؟ فإن قيل : بأنّه الإجماع الظاهر من كلامه ، فيدور عليه الإشكال السابق.
وأمّا كلامهم في مسألة تعارض الناقل والمقرّر ، فلأنّ المنساق من حجّتي الفريقين فيها رجوع نزاعهم إلى الصغرى ، وهو تعيين محلّ التأسيس من الخبرين المخالف للأصل والموافق له ، مع اتّفاقهم على كون الخبر الّذي فيه التأسيس أولى بالتقديم ، فمن يقدّم الناقل يزعم التأسيس فيه ، ومن يقدّم المقرّر يقدّمه بزعم أنّ فيه التأسيس.
ولا ريب أنّ المؤسّسيّة في أيّ منهما كانت مزيّة فيه نفسه ، موجبة للظنّ بكون مضمونه حكم الله الواقعي دون مضمون معارضه ، لخلوّه عن تلك المزيّة ولا كلام لأحد في مرجّحيّة نحو هذه المزيّة المندرجة في المرجّحات الداخليّة ، إلاّ أن يقال : بأنّها مع ذلك
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٦٠٩ ـ ٦١٠.