أقواهما ، أوّل المسألة.
نعم لو كانت هذه الأمارة بحيث كشفت بعنوان القطع عن مزيّة داخليّة لموافقتها على معارضه لو عثرنا عليها تفصيلا لأخذنا بمقتضاها من الترجيح ، وجب علينا الأخذ بها ، ودخل الموافق لها حينئذ في معقد الإجماع محصّلا ومنقولا ، لأنّ العمل بأرجح الدليلين واجب إجماعا ، سواء علم وجه الرجحان تفصيلا أو علم إجمالا ، ولذا قيل : إنّ الترجيح بالشهرة أو الإجماع المنقول حيث كشفا عن قرينة داخليّة في سند أحد الخبرين أو دلالته ممّا لا ينبغي الخلاف فيه.
وأمّا التأييد بقبح ترجيح المرجوح ، ففيه : أنّ كبرى هذه القاعدة مسلّمة ، بل هي قاعدة عقليّة لا يمكن الاسترابة فيها ، ولكنّ الكلام في الصغرى ، وكون ما خالف من المتعارضين للأمارة الغير المعتبرة مرجوحا ، وما وافق مضمونه الظنّ الغير المعتبر راجحا أوّل المسألة ، إذ العبرة بالراجح والمرجوح بحسب الواقع أو في نظر الشارع ، وكون ما ظننّا موافقة مضمونه الواقع من أمارة غير معتبرة راجحا في نظره يحتاج [ إلى دليل ] لعدم الملازمة ، ومجرّد الكبرى المذكورة لا تنهض دليلا عليه.
وممّا يؤكّد ذلك ، أنّه لو كانت هذه القاعدة تامّة بحسب كبراها وصغراها في مطلق الأمارات الظنّيّة ، لاقتضت حجّية نفس المرجّح بل حجّيّة الظنّ المطلق ، فيكون المرجّح مرجعا ودليلا مستقلاّ ولذا بني الكلام في المسألة على القول بعدم حجّيّة الظنّ المطلق ، وليس ذلك إلاّ للبناء على عدم تماميّة صغرى قاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح بالنسبة إلى الظنّ المطلق.
والعجب عن شيخنا قدسسره فإنّه مع علوّ مقامه في التدقيق والتحقيق ، انتصر لشيخه المستظهر للإجماع مستشهدا بجملة من كلماتهم ، لا شهادة فيها على ما رامه شيخه.
فقال : « الإنصاف أنّ بعض كلماتهم يستفاد منه أنّ العبرة في الترجيح بصيرورة مضمون أحد الخبرين بواسطة المرجّح أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر ، ولذا استظهر بعض مشايخنا (١) الاتّفاق على الترجيح بكلّ ظنّ ما عدا القياس.
فمنها : ما تقدّم عن المعارج (٢) من الاستدلال للترجيح بالقياس ، بكون مضمون الخبر الموافق له أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.
__________________
(١) هو السيد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٧١٧.
(٢) معارج الاصول : ١٨٦ ـ ١٨٧.