ليست خارجة من الظنّ المطلق الّذي كلامنا في مرجّحيّته.
وأمّا ما ذكره في مرجّحية عمل أكثر السلف أو علماء المدينة ، فلقوّة احتمال كشفه عندهم عن مرجّح داخلي في أحد الخبرين ، عثر عليه الأكثر أو علماء المدينة ولم يكشف عنه عمل الأقلّ ، وهذا هو معنى أنّ الأكثر يوفّق للصواب بما لا يوفّق له الأقلّ ، ولذا خصّوه بأكثر السلف وعلماء المدينة ، فإنّ السلف لقرب عهدهم بأزمنة صدور الأخبار يجدون معها من القرائن الراجعة إلى الصدور أو جهته أو دلالته ما لا يجده المتأخّرون لبعد عهدهم ، كما أنّ علماء المدينة لكونهم في بلد الصدور يجدون منها ما لا يجده النائون عن البلد.
ومن المعلوم وجوب العمل بأرجح الخبرين لمرجّح فيه ، سواء علم المرجّح تفصيلا أو إجمالا.
ثالثها : جملة من الأخبار العلاجيّة الدالّة بالتعليلات الواقعة فيها وإشعاراتها وإشاراتها على كلّيّة مطّردة في جميع الأمارات الخارجيّة المندرجة في الظنون المطلقة ، وهي أنّ مناط الترجيح في الخبرين المتعارضين هو الأقربيّة إلى الواقع ، سواء كانت لمرجّح داخلي أو خارجي ، فكلّما كان أحد المتعارضين أقرب إلى الواقع تعيّن الأخذ به ، وإن استندت أقربيّته إلى أمارة خارجيّة غير منصوصة.
ويستفاد من هذا المناط من مواضع في تلك الأخبار ، وإن اختلفت في كيفيّة دلالاتها بالظهور كما في بعضها ، ودونه الّذي يقال له الإشعار كما في كثير منها ، إلاّ أنّ هذه الإشعارات بتراكم بعضها إلى بعض تبلغ حدّ الظهور ، فمن المواضع التعليلات المصرّح بها في الأخبار المستفيضة الآمرة بالأخذ بما خالف العامّة وطرح ما وافقهم ، فعلّل الحكم في بعضها : « بأنّ فيه الرشاد » ، وفي آخر : « بأنّ الرشد في خلافهم » ، وفي ثالث : « بأنّ الحقّ في خلافهم ».
ويوافقها في هذا التعليل ، ما ورد في صورة عدم وجود من يفتي بالحقّ في البلد ، من قوله عليهالسلام : « ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ، فإنّ الحقّ فيه » (١) وإن لم يكن مثلها بحسب المورد.
والسرّ في هذه التعليلات الّذي هو وجه الحكمة للأمر بالأخذ بما خالفهم ، الجاري في الأخبار المطلقة الآمرة بذلك الغير المشتملة على العلّة المذكورة ، ما تكفّل لبيانه مرفوعة أبي إسحاق الأرجاني إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال عليهالسلام : « أتدري لم امرتم بالأخذ بخلاف ما
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ١١٥ / ٢٣ ، ب ٩ من أبواب صفات القاضي.