أقوال ، وإن كان أقواها الأوّل على ما قدّمنا تحقيقه في بحث حجّيّة الظواهر ، وخروجها عن أصالة الحرمة ، وفي الجزء الأوّل من الكتاب (١) من مباحث أصالة الحقيقة ، إلاّ أنّا نتكلّم على كل احتمال على فرض صحّة القول به.
فنقول : إنّ صور البحث في المقام الأوّل خمس ، والحقّ في الجميع عدم اعتبار الظنّ المذكور في الترجيح وعدم وقوعه مرجّحا ، ولو اطلق عليه المرجّح في بعض الصور كان مسامحة مبنيّة على نوع من المجاز ، لخروجه عن ضابط الترجيح ، وهو تقوية الظهور على معارضه.
أمّا في الصورة الاولى : فلأنّ الظنّ المطلق الغير المعتبر لا يوجب كون الظاهر الموافق أظهر من معارضه في متفاهم العرف بالأظهريّة ، الّتي هي مناط الترجيح في باب تعارض الظاهرين ، بل غايته موافقته لمضمون أحدهما ، وهو بمجرّده لا يفيد فيه قوّة ، ولا في معارضه ضعفا ، ولا يخرجه عن الحجّيّة ، كما هو قضيّة كونه معتبرا من باب الظنّ النوعي.
وأمّا الصورة الثانية : فلأنّه أوجب خروج ما يخالفه عن الحجّيّة رأسا لفقد شرطه ، فانحصر الحجّة فيما وافقه ، فيتعيّن الأخذ به لبقائه سليما عن المعارض ، ومرجعه إلى ارتفاع التعارض ، ضرورة أنّ غير الحجّة لا يعارض الحجّة ، كما يفصح عنه أنّه لو لم يكن في مقابل هذا المعارض إلاّ ذلك الظنّ لأسقطه عن الحجّيّة ، كما أنّه لو لم يكن في مقابل الظاهر الموافق له هذا المعارض لا يفيد فيه ذلك الظنّ شيئا ، بل كانت الحجّة منحصرة فيه ، وإذا كان التقدير تقدير عدم المعارض وانحصار الحجّة لم يكن للترجيح معنى ، ولو اطلق عليه المرجّح مع ذلك لمجرّد أنّه السبب في سقوط المعارض عن الحجّيّة كان مسامحة.
وأمّا الصورة الثالثة : فلسقوط المخالف أيضا عن الحجّيّة ، وانحصار الحجّة في الموافق ، فلا ترجيح كما لو لم يكن إلاّ هذا الظنّ ، فإطلاق المرجّح عليه مع عدم وجود مبدأ اشتقاقه مسامحة واضحة.
وأمّا الصورة الرابعة : فلسقوطهما معا عن الحجّيّة بالنسبة إلى مورد التعارض لفقد الشرط ، فتعيّن الرجوع إلى قاعدة أو أصل لولا المتعارضان كان مرجعا ، كقاعدة الطهارة واستصحاب طهارة الملاقي ـ في مثال الطير الغير المأكول ـ وكذا الحال في الصورة الاولى بعد إجمال المتعارضين بالنسبة إلى مادّة اجتماعهما.
__________________
(١) تعليقة على معالم الاصول ٢ : ١٤١.