الاستنباط على هجره وترك الاعتناء به ، وعدم الالتفات إلى الظنّ القياسي في مقام الترجيح ، ولم يتوقّفوا في البناء على التساقط ، أو التوقّف أو التخيير ، عند عدم مرجّح آخر حتّى يبحثوا عن القياس ، كما يكشف عنه مع وضوحه أنّه لو كان كذلك لاحتاجوا إلى تدوين القياس ، والبحث عن شرائطه لينتفعوا به في الترجيح الّذي هو من أعظم الفوائد ، ولا ينحصر التدوين والبحث في جهة الحجّيّة ، مع إمكان القول بأنّ تتميم الحجّة به ـ ولو لإحراز فقد المانع الّذي هو المعارض به ـ نوع من الحجّيّة ، لأنّ عدم المانع جزء من العلّة ، وإلى بعض ما ذكرناه لعلّه ينظر قول المحقّق « وفيه نظر » بعد نقله الحجّة المذكورة.
وأمّا القسم الثاني : فالترجيح المطلوب منه إمّا أن يقصد به ترجيح دلالة أحد المتعارضين على دلالة الآخر ، فيما كان تعارضهما باعتبار الدلالة ، كما في العاميّن من وجه بالنسبة إلى مورد الاجتماع وأشباههما ، ومنه قوله عليهالسلام : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (١) ، مع قوله عليهالسلام : « كلّ شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله » (٢) إذا فرض عدم قوّة ظهور أحدهما على ظهور الآخر ، فيتعارضان في بول الطير الغير المأكول وخرئه ، والظاهر عدم [ اختصاص ] ذلك بما لو كانا ظنّي السند ، بل يجري الكلام في الكتاب والسنّة المتواترة أيضا.
أو يقصد به ترجيح وجه الصدور في أحدهما ، وهو كونه لبيان الحكم الواقعي لا للتقيّة ، أو غيرها من الحكم المقتضية لبيان خلاف الواقع وتمييزه عمّا صدر لا لبيان الحكم ، فيما كان تعارضهما باعتبار وجه الصدور ، سواء كانا مقطوعي الصدور أو مظنونيه مع بقاء الظنّ بصدوريهما.
أو يقصد به ترجيح صدور أحدهما ـ بأن صار بالترجيح مظنون الصدور ـ على صدور الآخر فيما كان تعارضهما باعتبار الصدور ، فالكلام في مقامات ثلاث :
المقام الأوّل : فالظهور الّذي يقصد ترجيحه في أحد المتعارضين على ظهور الآخر ، بجعله أقوى منه بالظنّ الغير المعتبر الحاصل من شهرة ، أو غلبة أو نحوهما إذا حصل على طبقه ، إمّا أن يكون معتبرا من باب الظنّ النوعي ، أو بشرط عدم الظنّ على الخلاف ، أو بشرط حصول الظنّ منه أو من غيره على طبقه ، أو بشرط حصول الظنّ منه بالخصوص ، أو باعتبار أصالة عدم القرينة على خلافه التي لا يعتبر فيها إفادتها الظنّ الفعلي ، احتمالات بل
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٠٥ / ٢ ، ب ٨ من أبواب النجاسات.
(٢) الوسائل ٣ : ٤١٣ / ١ ، ب ١٠ من أبواب النجاسات.