وأمّا الصورة الخامسة : فلسقوطهما أيضا عن الحجّيّة بالنسبة إلى مورد التعارض ، لأنّ أصالة عدم القرينة الّتي هي مناط الحجّيّة في كليهما ، معارضة في كلّ منهما بمثلها في الآخر.
ومن المقرّر في باب تعارض الأصلين أنّهما مع عدم حكومة أحدهما على الآخر يتساقطان ، فيتعيّن الرجوع إلى قاعدة أو أصل كان مرجعا لولا هذان المتعارضان ولا يسوغ العمل بالظنّ الموافق لأحدهما في هذه الصورة وسابقتها والصورة الاولى ، كالحاصل من شهرة النجاسة في بول الطير الغير المأكول وخرئه ، لأنّه حينئذ يصير مرجعا لا مرجّحا ، والمفروض حرمة العمل به بحكم أصالة التحريم.
والحاصل : أنّ مدار الدلالة اللفظيّة على الظهور ، ومناط ترجيح المتعارضين باعتبار الدلالة ـ على معنى تعارض الظاهرين ـ أظهريّة أحدهما من الآخر الّتي يعبّر عنها بالأقوائيّة ، والظنّ المطلق الحاصل من الأمارة الخارجيّة على طبق أحد الظاهرين لا يعطيه الأظهريّة ، وإن قلنا به من باب الظنّ النوعي ، فلا يكون مرجّحا لأحد الظهورين ، فالتعويل عليه يرجع إلى جعله مرجعا.
وأمّا المقام الثاني : فترجيح وجه الصدور بالظنّ الغير المعتبر الحاصل من الشهرة أو الإجماع المنقول أو غيرهما ، معناه ترجيح أصالة عدم التقيّة في أحد المتعارضين عليها في المتعارض [ الآخر ] ، فإنّها المرجع لإحراز وجه صدور الخبر ، وهو أصل معمول به عند الأصحاب مجمع عليه لديهم ، فلو ورد خبر معتبر سندا واحتمل فيه وروده مورد التقيّة لموافقته بعض مذاهب العامّة يدفع بذلك الأصل ، وإذا ورد خبران متعارضان واحتمل في كلّ منهما الورود تقيّة لموافقة كلّ قولا من قولي العامّة في المسألة ، كما لو وردا في الوضوء ودلّ أحدهما على وجوب مسح الرجلين فيه ، والآخر على وجوب غسلهما ، بحيث علمنا بورود أحدهما على وجه التقيّة ، وحصل من شهرة وجوب المسح عند أصحابنا ، أو من الإجماع المنقول فيه الظنّ بصدور الخبر الموافق له لبيان الواقع وإظهار الحق وصدور الخبر المخالف على وجه التقيّة ، فمعنى ترجيح الأوّل على الثاني ترجيح أصالة عدم التقيّة فيه عليها في الثاني ، لأنّها المرجع في إحراز وجه الصدور وعليها مدار حجّيّة الخبر.
فنقول : إنّ هذا الأصل إن جعل بمعنى أصالة العدم في كلّ حادث ، نظرا إلى أنّ الصدور على وجه التقيّة لابدّ له من موجب ، وهو الخوف من ضرر المخالفين ، وهذا الخوف مانع من إظهار الحقّ وبيان الواقع ، ويشكّ في حدوثه والأصل عدمه ، فهي في كلّ من الخبرين