تكاليف الصبيان وأحكامهم ببلوغهم ، وأدلّة تبعيّة أولاد المسلمين والكفّار لآبائهم في الطهارة والنجاسة إلى أن يبلغوا.
ويؤيّد الجميع : ظاهر المنقول في المصابيح (١) من إجماع الإماميّة بل إجماع المسلمين كافّة ، فإنّ العلماء مع اختلافهم في حدّ البلوغ بالسنّ مجمعون على أنّ البلوغ الرافع للحجر هو الّذي يثبت به التكليف ، وأنّ الّذي يثبت به التكليف في العبادات هو الّذي يثبت به التكليف في غيرها ، وأنّ الّذي يثبت به التكليف في بعض العبادات كالصلاة مثلا هو الّذي يثبت به التكليف في العبادات الباقية ، وهذا أمر ظاهر في الشريعة معلوم من طريقة فقهاء الفريقين وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار من غير نكير.
ثمّ اختلف في أنّ المكلّف بالمعارف إذا اشتغل بالنظر في تحصيلها ، فهل هو في هذه الحالة كافر أو مؤمن؟ فعن المرتضى الجزم بكونه كافرا (٢).
واستشكله الشيخ زين الدين ـ على ما حكي عنه ـ « بأنّه يلزم حينئذ أن نحكم بكفر كلّ أحد في أوّل كمال عقله الّذي هو أوّل وقت تكليفه بالمعرفة ، ويلزم أيضا لو مات في ذلك الوقت أن يكون مخلّدا في النار ، وهذا كلّه في غاية البعد من عدالته تعالى وسعة رحمته بل في بعض الصور يلزم الظلم وتكليف ما لا يطاق ، كما لو لم يقصّر فمات في ذلك الوقت ، أو قبل مضيّ زمان يسع النظر إلى أن يستكمل المعرفة ، إلاّ أن يقال : بأنّ هذا النوع من الكفر لا يوجب في صاحبه العذاب ، ويقال : بأنّ الإجماع على خلود الكافر في نار جهنّم مقصور على من اختار الكفر عن اعتقاد.
ولو قيل : بأنّ كلّ من لم يكن من أهل النار يدخل الجنّة ، بناء على عدم الواسطة بين هذين الفريقين ، فيلزم أن يكون غير المؤمن مخلّدا في الجنّة ، وهذا خلاف إجماعهم على عدم دخول غير المؤمن الجنّة.
فجوابه : إمكان كون دخول ذلك فيها نوعا من التفضّل ، كأطفال المؤمنين حيث يدخلونها تفضّلا ، بدعوى اختصاص الإجماع المذكور بمن كلّف بالإيمان ، ومضى عليه مدّة تسع تحصيله وقصّر فيه.
والتحقيق : أنّ مثل ذلك المفروض لا يحكم بإيمانه ولا بكفره حقيقة في مدّة نظره في تحصيل المعارف ، بل إنّما يجري عليه حكم الإيمان بتبعيّة أبيه وامّه كالأطفال ، لعدم تحقّق
__________________
(١) المصابيح : ( مخطوط ) ١٧.
(٢) رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣١٧.