التكليف منوطة بالعقل ، والقدر المشترك منه الكافي في صحّة الخطاب حاصل لكلّ من الفريقين بعد بلوغه ، والفرق بينهما غالبا بالقوّة والضعف لا يوجب تفاوتا في الحكم ، مع أنّا نرى غالبا في الانثى بعد استكمالها التسع من الإدراك والتميز ما لا نجده للذّكر في هذا السنّ إلى ما يقرب من بلوغه الخمسة عشر.
وقد يجاب أيضا : بأنّ التكليف إنّما هو دون الطاقة بل الوسع ، والفرق مع الطاقة والوسع لعلّه لكونهنّ أحقّ بتعجيل الحمى ـ لنقصان عقولهنّ ، فعلمهنّ بعدم التكليف ادعى لهنّ إلى المعاصي ـ من الذكور ، ولأنّ الذكور لكونهم أكثر موردا للمحن والمصائب ، وأثقل أحمالا لتحمّلهم أحمال الإناث ، وتكلّفهم مؤنتهنّ لابدّ لهم في تحصيل التدرّب في امور المعاش من فرصة ليكمل لهم فيه التجارب.
فأقوى الأقوال أوسطها : لأصالة البراءة ، واستصحاب الحالة السابقة على حصول الإمكان قبل البلوغ الشرعي ، والإمكان حيثما حصل إنّما يجعل المورد متأهّلا لأن يتوجّه إليه الخطاب ، ولا يصلح مثبتا له ، بل المثبت له الدليل ، ولا دليل عليه من عقل ولا نقل.
أمّا الأوّل : فلأنّ الّذي يمكن توهّم الاستناد إليه من جهة العقل ، إنّما هو حكمه بوجوب النظر في معرفة الله دفعا للضرر المحتمل ، أو لإزالة خوف زوال النعمة ، أو خوف العقوبة عن النفس المترتّبين على عدم معرفة المنعم وعدم شكره بما يليق ، ويدفعه : أنّ القدر المسلّم منه إنّما هو حكمه بما ذكر بعد البلوغ الشرعي ، وأمّا قبله فلحكمه بالبراءة الأصليّة يؤمنه من ضرر زوال النعمة والعقوبة ، فتأمّل.
وأمّا الثاني : فلأنّ غاية ما يمكن الاستناد إليه من جهة النقل ، إنّما هو عمومات التكليف بالمعارف ، من نحو قوله ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ )(١) وقوله : ( اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها )(٢).
ويدفعه : أنّ هذه العمومات كسائر عمومات التكاليف معلّقة بشرائط التكليف التي منها البلوغ ، عملا بعمومات البلوغ الحاكمة عليها في متفاهم العرف ، مثل حديث « رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم » ، أو يبلغ (٣) وما روي عن النبيّ أيضا ، أنّه قال : « إذا استكمل المولود خمسة عشرة كتب ما له وما عليه وأخذ منه الحدود » (٤) ، وغير ذلك من أخبار إناطة
__________________
(١) سورة محمّد ( ص ) : ١٩.
(٢) سورة الحديد : ١٧.
(٣) بحار الأنوار : ٤٠ : ٢٧٧ / ٤.
(٤) الخلاف ٣ : ٢٨٣ ، وتلخيص الحبير ٣ : ٤٢ / ١٢٤١ ، وفتح العزيز ١٠ / ٢٧٨.