محلّ الكفر عن غيره :
الاولى : إنكار ما علم كونه ما أتى به النبيّ من عند الله بضرورة الدين ، أو المذهب ، أو بالنظر والبرهان ، ولا ريب في كونه كفرا بجميع تقاديره الثلاث.
الثانية : إنكار ما ظنّ كونه كذلك بواسطة الدليل الظنّي الثابت حجّيته بالأدلّة القطعيّة ، وهذا بواسطة عدم العلم بكونه بالخصوص ممّا أتى به النبيّ لا يوجب الكفر ، بل غايته الفسق والإثم.
نعم لو كان إنكاره ايّاه بحيث يؤدّي إلى إنكار الحكم الكلّي الاصولي ، وهو وجوب اتّباع ذلك الدليل الظنّي كما هو مفاد أدلّة الحجّيّة لزم منه الكفر ، لأنّ من جملة ما جاء به النبيّ هو ذلك الحكم الاصولي ، وكذا الحال في إنكار مؤدّى الدليل التعبّدي الغير المنوط حجّيّته بحصول الظنّ الفعلي ، كخبر العادل عند من يرى أدلّة حجّيّته بالخصوص تامّة ، فإنّ إنكاره وعدم التديّن به في الواقعة الخاصّة فسق ، وإذا رجع إلى إنكار الحكم الكلّي الاصولي الّذي هو أيضا ممّا أتى به النبيّ مع العلم به بواسطة قطعيّة أدلّة حجّيّته لزم منه الكفر ، وكذلك إنكار مفاد الأصل العملي كالاستصحاب وأصل البراءة ، فإنّه أيضا من حيث الخصوص ليس كفرا ، وإذا رجع إلى إنكار الحكم الكلّي المجعول للجاهل المعبّر عنه بالحكم الظاهري لزم الكفر.
الثالثة : انكار مؤدّى الأمارات الشرعيّة المعمول بها في الموضوعات كالبيّنة واليد وغيرها ومنها حكم الحاكم الشرعي ، فإنّ انكاره إنّما يوجب الكفر إذا رجع إلى إنكار وجوب اتّباعه الّذي هو مفاد أدلّة الحجّيّة ، لعموم أدلة الإقرار بما جاء به النبيّ.
وربّما يشير إلى ذلك في خصوص الحكم ما في مقبولة عمر بن حنظلة من قوله عليهالسلام : ينظران إلى من كان منكم قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّه استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله وهو على حدّ الشرك (١).
وبما بيّناه ظهر حكم خرق الإجماع بسيطا ومركّبا المفيد للعلم بالحكم الواقعي باعتبار كشفه عن قول المعصوم ، أو عن رضاه ، أو عن كون المجمع عليه مأخوذا منه ، بناء على أنّ الأئمّة عليهمالسلام كانوا يصدرون عن النبيّ ، فإنّه إذا كان على سبيل ردّ ما علم كونه ممّا
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ١٣٦ / ١ ، ب ١١ من أبواب صفات القاضي.