يشتغل حال استكمال الآخرين ، ومنهم من يدرك البلوغ حال اشتغال الآخرين ، ومنهم يتولّد حال بلوغ الآخرين ، وهكذا فمع اختلاف حالات الناس على الوجه المذكور ، فكيف تحويهم العادة على الاشتغال بتحصيل العقائد حتّى يلزم اختلال النظام على تقدير اعتبار العلم.
ثمّ إنّ اصول العقائد على قسمين :
أحدهما : ما يجب فيه الاعتقاد والتديّن بالمعتقد مطلقا ، فيجب النظر في تحصيل الاعتقاد حينئذ مقدّمة ، ومن حكم هذا القسم لزوم الكفر تارة بانتفاء الاعتقاد ، واخرى بعدم التديّن بعد الاعتقاد ، ويقال له : كفر الجحود ، ولأجل ذا يحكم بكفر إبليس وفرعون وهامان ، وكثير من الكفّار والمشركين.
وفي الحديث بعد ما جعل الكفر على خمسة أوجه منها : كفر الجحود ، « وأمّا كفر الجحود فهو الجحود بالربوبيّة ، والجحود على معرفة وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده ، وقد قال الله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ )(١)(٢).
وثانيهما : ما يجب فيه التديّن مشروطا بحصول الاعتقاد ، فما لم يكن الاعتقاد حاصلا لم يجب النظر في تحصيله ، ومن حكمه لزوم الكفر بعدم التديّن بالمعتقد بعد حصول الاعتقاد ، لا بانتفاء الاعتقاد سيّما في الغافل الغير الملتفت إلى أصل المسألة المندرجة في هذا القسم.
وأمّا تشخيص مصاديق القسمين فلا يخلو عن إشكال وغموض ، إلاّ أنّ الذي ينبغي أن يذعن به هو أنّ معرفة الله تعالى ، وصفاته الثبوتيّة الراجعة إلى إثبات العلم والقدرة ، وصفاته السلبيّة الراجعة إلى سلب الحدوث والحاجة ، ويندرج فيهما عدله في مقابل الظلم والجبر ، وحكمته في مقابل صدور القبيح منه فعلا وتركا ، ونبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم وإمامة الاثنى عشر عليهمالسلام ، والمعاد الجسماني ، وسؤال القبر وعذابه ، ووجود الجنّة والنار ، والحساب والكتاب والميزان والصراط ، من قبيل القسم الأوّل ، وأنّ كون كلامه تعالى حادثا أو لفظيّا ، وعينيّة صفاته ، ونبوّة سائر الأنبياء وعصمة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكونه أفضل امّته أو أفضل من الأنبياء أو من الملائكة أيضا ، وعصمة الأئمّة عليهمالسلام وكونهم أفضل من الأنبياء أو من الملائكة أيضا ، وعلمهم بما كان وما يكون وكون علمهم حضوريّا أو اراديّا وتفاصيل أحوال المعاد ومعانيها على وجه التفصيل ، من قبيل القسم الثاني ».
__________________
(١) سورة النمل : ١٤.
(٢) الوسائل ١ : ٣٢ / ٩ ، ب ٢ من أبواب مقدّمة العبادات.