المسألة الاصوليّة حينئذ ، المبنيّ على اندراج الظنون المذكورة المقابلة للعلم الإجمالي المخالف لها في الاقتضاء في موضوع دليل الانسداد ، بل عدم جريان دليل الانسداد بالقياس إليها رأسا فضلا عن قاعدة الاشتغال المبتني جريانها على جريانه ، لأنّ العلم الإجمالي المنجّز للتكليف كالعلم التفصيلي يتولّد منه العلم التفصيلي بوجوب الاجتناب عن كلّ واحد من الامور المذكورة ، مقدّمة للعلم بالامتثال في ترك المحرّم الواقعي منها المعلوم بالإجمال المشتبه بالبواقي ، ومعه لا يجري في مورده دليل الانسداد لانتفاء مقدّمة الانسداد فيه ، فلا مقتضي لجواز العمل بالظنون المذكورة المخالفة له في المقتضى فضلا عن وجوبه ، فالاحتياط في المسألة الفرعيّة الناشئ وجوبه عن العلم الإجمالي لا مقابل له ليعارضه.
وأمّا رابعا : فلخروج نحو الصورة المفروضة من الظنون القائمة بعدم الوجوب عن مورد كلام القائل بالتعميم استنادا إلى قاعدة الاشتغال ، فإنّ غرضه بذلك إنّما هو التعميم في الظنون الموافقة للاحتياط ، وهي الدالّة على وجوب أو تحريم ، أو حكم وضعي يتولّد منه الوجوب والتحريم كالنجاسة ونحوها ، لا الظنون المخالفة له الموافقة لأصل البراءة ، لخروجها عن مورد دليل الانسداد ، فكيف بقاعدة الاشتغال ، لعدم لزوم محذور من الرجوع إلى الأصل الموافق لها بعد العمل بالظنون الموافقة للاحتياط في جميع الأنواع الثلاث من المظنونة والمشكوكة والموهومة.
فالظنون الدالّة على عدم الوجوب أو على عدم الحرمة خارجة عن معقد كلام القائل بالتعميم ، بل عن مجرى دليل الانسداد أيضا ، فكيف يورد عليه في استناده إلى قاعدة الاشتغال بمعارضة مثلها في المسألة الفرعيّة ، إلاّ أن يقال : بأنّ هذا التخصيص خلاف طريقة أهل القول بالظنون المطلقة ، فإنّهم لا يفرّقون في الحجّيّة ووجوب العمل بين الظنون المثبتة للتكاليف الإلزاميّة وما تتولّد منه من الأحكام الوضعيّة ، وبين الظنون النافية لها الدالّة على الإباحة أو الاستحباب أو الكراهة ، ضرورة أنّهم يعتمدون على الظنون في الجميع.
وقضيّة ذلك أن يقصد التعميم بالنسبة إلى الجميع ، ولا ينافي كون مدلولها الإباحة وغيرها من الأحكام الغير الإلزاميّة وجوب العمل بها ، إمّا لأنّ وجوب العمل بالظنّ يراد به الاعتقاد بالمظنون على أنّه حكم الله ، أو التديّن به كذلك ، أو تطبيق العمل عليه في كلّ حكم بحسبه هذا.
ولكن يرد على التمسّك بقاعدة الاشتغال : أنّها لا تفيد التعميم بالمعنى المقصود ، وهو