الخاصّ ، نمنع كون اتّفاقهم المتوهّم مجديا في حصول العلم الإجمالي لنا بالقدر المشترك المردّد ، لأنّه إنّما يتمّ ذلك إذا ثبت اتّفاقهم على القدر المشترك أوّلا ، ثمّ وقع الاختلاف في تعيينه ، نظير ما هو الضابط في حصول العلم بالقدر المشترك في المتواتر المعنوي ، المعتبر فيه اتّفاق المخبرين الكثيرين على الإخبار بالقدر المشترك بين الوقائع الخاصّة ثمّ اختلافهم في تعيينه ، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، بل القدر المشترك المتوهّم هنا أمر انتزاعي منتزع عن الموارد الخاصّة ، فإنّه لما اتّفق في الخارج من باب المقارنات الاتفاقيّة عمل كلّ واحد بطريق مخصوص ، فانتزع من موارد عملهم على وجه الاختلاف مفهوم « الطريق المنصوب » ، وعبّر عنه بالقدر المشترك ثمّ ادّعى الاتّفاق عليه ، فيكون الاتّفاق المدّعى عليه أيضا انتزاعيّا ، وهذا كما ترى لا يفيدنا العلم بأنّ هنا طريقا منصوبا لا محالة حتّى نرجع في تعيينه إلى الظنّ المطلق ، لأنّ كلّ من اختار طريقا خاصّا لنفسه فإنّما اتّفق اختياره له لتأدية نظره على حسب اجتهاده إلى كونه منصوبا من الشارع ، ويجوز على كلّ واحد الخطأ فيما أدّى إليه نظره.
وربّما استظهر إجماعهم على نصب طريق خاصّ من الإجماع على المنع من العمل بالقياس.
وفيه : منع الملازمة أمّا أوّلا : فبالنقض بأنّه مستلزم لكون المرجع في تعيين الطريق المعلوم أيضا طريقا خاصّا لا الظنّ المطلق ، للإجماع على المنع من العمل بالقياس في التعيين.
وأمّا ثانيا : فبالحلّ ، بأنّ الإجماع على المنع من العمل بالقياس في نفس الأحكام الشرعيّة يجامع كلاّ من احتمالي كون المرجع في الأحكام هو الظنّ أو كونه الطريق الخاصّ الّذي نصبه الشارع ، فيكون أعمّ والأعمّ لا يلازم الأخصّ ، مع أنّ منع العمل بالقياس إنّما هو لتداول العمل به من المخالفين في زمان انفتاح باب العلم لهم كأعصار الأئمّة وأهل بيت العصمة الّذين هم بوّاب العلم ، فالمنع من العمل به حينئذ لا يلازم جعل غيره طريقا للأحكام ، لعدم الحاجة إليه مع انفتاح باب العلم كما هو واضح.
فإن قلت : لا مجال لإنكار الطريق المعلوم ثبوته إجمالا ، حتّى على القول بالظنّ المطلق في الأحكام ، غاية الأمر أنّه على هذا القول عبارة عن مطلق الظنّ ، وهو طريق عقلي فلا كلام في وجود طريق للأحكام ، وهو مردّد بين طريق خاصّ جعلي ، أو مطلق الظنّ الّذي هو طريق عقلي.