قلت : مطلق الظنّ ليس طريقا في عرض الطريق المجعول ، إذ لا معنى للعمل بمطلق الظنّ مع وجود المبرأ اليقيني ، كما أنّه لا معنى للعمل بالأصل مع وجود الدليل ، فالقول بالظنّ المطلق في الأحكام لا يلازم القول بالطريق الخاصّ المردّد بين الطريق الجعلي والطريق العقلي ، بل لو كان هناك طريق للأحكام لكان مجعولا لا غير.
فإن قلت إنّ الشارع قد جعل للموضوعات طرقا مخصوصة كيد المسلم ، وسوق المسلم ، وفعل المسلم ، وقول ذي اليد ، وقول العدل حيث يقبل ، والبيّنة ، وعلامات القبلة ، وما أشبه ذلك ، فكيف بالأحكام بل هي أولى بجعل طرق لها.
قلت : لا ملازمة ، فالأولويّة المدّعاة ممنوعة ، لقوّة احتمال كون الحكمة في الموضوعات لزوم اختلال النظم لولا نصب الطرق فيها ، كما أشار إليه بقوله عليهالسلام : « ولو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق » (١) في خبر حجّيّة اليد بخلاف الأحكام.
ثانيها : أنّه لو سلّم نصب الطريق للأحكام ، فهو لا يلازم بقائه إلى يومنا هذا ، فالمعتبر هو العلم بوجود الطريق المنصوب في الأمارات الّتي بأيدينا اليوم ، وهذا العلم غير لازم من مجرّد العلم بنصب الطريق ، لجواز كونه في الأمارات الّتي ذهبت عنّا ، ومن المحتمل كون الطريق المنصوب هو الخبر الصحيح المزكّى كلّ واحد من رجال سنده بتزكية عدلين وما أشبه ذلك ، ولا ريب في ندرته في الأخبار الموجودة بأيدينا اليوم.
ثالثها : أنّه لو سلّم نصب الطريق وبقائه في الأمارات الّتي بأيدينا اليوم ، كخبر الواحد والإجماع المنقول والشهرة ، وظهور الإجماع والاستقراء والأولويّة الظنّيّة ، ولكن لا يلزم من ذلك كون المرجع في تعيينه الظنّ ، بل اللازم فيه الأخذ بالقدر المتيقّن من الأمارات ، فإنّ المتيقّن منها الخبر الصحيح وبعده الإجماع المنقول ، إذ لم يقل أحد بحجّيّة الشهرة وما بعدها دون الخبر الصحيح والإجماع المنقول ، فيؤخذ بالأوّل فإن لم يف بغالب المسائل فبالثاني أيضا ، فلا معنى لتعيين الطريق بالظنّ مع وجود القدر المتيقّن ووجوب الرجوع في الباقي إلى أصالة حرمة العمل بما وراء العلم.
نعم لو احتيج في مسألة إلى العمل بإحدى أمارتين من البواقي ، واحتمل الطريقيّة المنصوبة في كلّ منهما صحّ تعيينه بعد الإغماض عمّا ستعرفه.
رابعها : أنّه لو سلّم عدم وجود القدر المتيقّن ولكنّه لا يلزم من ذلك التعيين بالظنّ ، بل
__________________
(١) الكافي ٧ : ٣٨٧ / ١ التهذيب ٦ : ٢٦١ ب ٩٠ / ١٠٠.