الأحكام الواقعيّة ، إذ بقاء التكليف من دون نصب طريق إليها ظاهر البطلان.
وتوضيح الاندفاع : منع بطلان بقاء التكليف مع عدم نصب طريق خاصّ غير علمي إليه ، فإنّ الباطل إنّما هو التكليف بغير المقدور ، لا إرجاع كيفيّة الامتثال إلى العقل المستقلّ وإناطته بالعلم ، ثمّ الظنّ الاطمئناني ، ثمّ الظنّ الغير الاطمئناني ، ثمّ الأخذ بأحد طرفي المسألة ، نظرا إلى حكومة العقل في مراتب الامتثال الدائر بين العلمي والظنّي الاحتمالي بتقدّم بعضها على بعض.
وبالجملة جعل تكليف واقعي لا يلازم نصب طريق خاصّ إليه قبالا للعلم ، أو الظنّ بنفس الواقع لا عقلا ولا شرعا ولا عرفا ، كما في أحكام الموالي بالقياس إلى عبيدهم ، وغيرهما من صنوف الحاكم والمحكوم من العقلاء الذين مدار طريقتهم على حكومة العقل.
فإن قلت : العلم الإجمالي بنصب الطريق حاصل من الإجماع ، فإنّ المعلوم من سيرة العلماء وطريقة الفقهاء في مدارك استنباطهم اتّفاقهم على وجود طريق منصوب ، ولا ينافيه الاختلاف في الأشخاص بملاحظة أنّ منهم من يعمل بخبر الواحد دون غيره ، ومنهم بالإجماع المنقول دون غيره ، لأنّ ذلك اختلاف في التعيين [ وهو ] لا ينافي الاتّفاق على القدر المشترك.
قلت : الاتّفاق ممنوع ، فإنّ جماعة من معتبريهم كالسيّد (١) وموافقيه ممّن تقدّم عليه ومن تأخّر (٢) عنه منعوا نصب الطريق الخاصّ ، بتقريب : أنّهم زعموا كون المدار في امتثال الأحكام الواقعيّة على العلم لدعواهم انفتاح بابه ، وهذا في معنى منعهم نصب الطريق الغير العلمي ، بل منهم من أحاله كابن قبة القائل باستحالة التعبّد بخبر الواحد بل مطلق الأمارة الغير العلميّة (٣).
وقد يقرّر سند المنع من الاتّفاق ، بأنّه لو كان هناك طريق منصوب من الشارع للأحكام الواقعيّة لكان هو خبر الواحد ، لأنّه القدر المتيقّن من أفراد هذا العنوان على تقدير مساعدة دليل عليه ، لبطلان منصوبيّة غيره مع وجوده ، والتالي باطل ، لأنّ السيّد وأتباعه منعوا من العمل بخبر الواحد ، وبالغوا في المنع حتّى أنّ منهم من أحاله ، وهذا يدلّ على أنّهم لا يقولون بوجود طريق منصوب ، وإلاّ لزم كونه عندهم غير خبر الواحد وهو باطل.
ومع الغضّ عن ذلك وتسليم عدم مخالفة السيّد وأتباعه في القول بنصب الطريق
__________________
(١) رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٣٠٩.
(٢) وهم الشيخ المفيد وابن ادريس وابن زهرة والطبرسي وغيرهم.
(٣) حكاه المحقّق في معارج الاصول : ١٤١.