تعذّر هذا النوع من الظنّ فالرجوع إلى ما يكون أقرب إليه مفادا من المدارك الّتي لا دليل على عدم حجّيّتها مع الاتّحاد ، ومع التعدّد والتكافؤ فالتخيير ، لامتناع الأخذ بما علم عدم جواز الأخذبه كما مرّ أو ترجيح المرجوح أو الترجيح مع عدم المرجّح » إلى آخر ما ذكره رحمهالله (١).
ويرد عليه وجوه :
أوّلها : منع نصب الشارع طرقا مخصوصة للأحكام الواقعيّة ، ودعوى العلم الإجمالي مردودة بأنّه لابدّ له من مدرك عقلي أو سمعي أو غيرهما من ضرورة أو إجماع والكلّ مفقود ، ولو صحّ ما ذكر من نصب الطرق لكان وضوح تلك الطرق بمثابة وضوح الشمس في رابعة النهار ، لتوفّر الدواعي بين المسلمين على ضبطها وحفظها والمحافظة عليها عن الاندراس والاختفاء ، كيف واحتياج كلّ مكلّف إلى معرفتها أكثر من احتياجه إلى مسائل صلواته الخمس.
واحتمال اختفائها مع ذلك لعروض دواعي الاختفاء كما اتّفق بالنسبة إلى المرجع بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نظرا إلى أنّ الحاجة إلى معرفة الطرق ليست بأكثر من الحاجة إلى معرفة المرجع والحجّة بعد النبيّ ـ مدفوع بوضوح الفرق بين المقامين ، فإنّ الدواعي العارضة الباعثة على اختفاء المرجع هي الدواعي إلى طلب السلطنة الباطلة وما أشبه ذلك ، وليس شيء منها عارضة بالنسبة إلى الطرق على تقدير كونها منصوبة ، فعدم وضوحها بحيث يعرفها كلّ مكلّف إنّما هو لعدم نصب الشارع إيّاها من أصلها ، لا لاختفائها بعد نصبها.
وبالجملة ردّ الاستدلال لكونه عقليّا يكفي فيه احتمال عدم نصب الطرق المخصوصة للأحكام الواقعيّة ، وعليه مبنى المنع ، وسنده احتمال إرجاع الشارع لامتثال أحكامه الواقعيّة إلى حكومة العقل المستقلّ ، إجراء لها مجرى أحكام الموالي بالنسبة الى عبيدهم ، على ما هو طريقة العقلاء المستمرّة فيها ، من جهة حكومة العقل من جعل المدار في امتثالها والموافقة لها تحصيل العلم بها من أيّ سبب كان ، ومع تعذّره فعلى تحصيل الظنّ الاطمئناني بها ، ومع تعذّره فعلى الظنّ المطلق وإن لم يبلغ حدّ الاطمئنان ، ومع تعذّره أيضا فعلى الأخذ بأحد طرفي المسألة حذرا عن المخالفة القطعيّة والإعراض عن التكاليف الواقعيّة الالهيّة.
وبالتأمّل في ذلك يندفع توهّم القول بأنّ منع نصب الطرق لا يجامع القول ببقاء
__________________
(١) الفصول : ٢٧٧.